هي جنة خضراء وطبيعة عذراء وتاريخ عريق شاهد على حقبة زمنية كانت فيها أرض وادنون حلقة محورية للتبادل التجاري بين القوافل الرابطة بين شمال المغرب وجنوبه، والذاهبة إلى بلاد شنقيط ومناطق العمق الإفريقي.
الحديث هنا عن واحة “وين مذكور” الواقعة على بعد 27 كيلومترا شمال شرق مدينة طانطان، بتراب جماعة تلمزون، واحة تجمع بين جمال الطبيعة وهدوء الفضاء وجاذبية المناظر الخلابة التي تسحر زائرها وتجعله أسيرا داخل لوحة ربانية من إبداع الخالق عز وجل.
واحة وين مذكور ليست فضاء إيكولوجيا فحسب، بل أيضا موقع أثري عريق يتجسد في مجموعة من الزوايا والمقابر التاريخية الموثقة لحقب زمنية متفرقة، ما يجعلها مؤهلة لتكون منطقة جذب هامة تجمع بين السياحة والثقافة، وبالتالي المساهمة في النهوض التنموي بإقليم طانطان وجهة كلميم وادنون.
ورغم توفر وين مذكور على العديد من المقومات التي تؤهلها لتكون قبلة سياحية واعدة من شأنها تحويل إقليم طانطان إلى عروس السياحة بالجنوب، بحكم توفر المنطقة على شريط ساحلي نابض بشاطئ الوطية، إضافة إلى وادي الشبيكة ومصب وادي درعة وعدة آثار تاريخية، خاصة بمغارة أزݣر، وغيرها من المؤهلات التي يمكن أن تشكل دورة سياحية متميزة رفقة واحة وين مذكور، إلا أنها مازالت تعاني النسيان والإهمال ولم تجد بعد طريقها نحو التأهيل وإعادة الاعتبار.
إهمال ونسيان
المحفوظ ماء العينين، رئيس جمعية وين مذكور للتنمية الاجتماعية والثقافية، أورد في تصريح لجريدة هسبريس أن واحة وين مذكور تتوفر على جميع المؤهلات لتكون وجهة متميزة تغري عشاق السياحة الإيكولوجية الباحثين عن الهدوء والاستجمام، كما يمكنها أن تعلب دورا كبيرا في تحريك العجلة التنموية بالمنطقة.
“إلا أن غياب الثقافة والاعتقاد التام بأن السياحة قطاع قادر على المساهمة في النهوض التنموي، وكذا ضعف الإدارة المعنية وغياب إرادة حقيقية من الجهات المسؤولة في بلورة تصور سياحي يتماشى مع مؤهلات المنطقة، كلها أسباب أدت إلى بقاء واحة وين مذكور بين دوامة الإهمال وبراثن النسيان”، يورد المتحدث ذاته.
وأضاف ماء العينين أن وين مذكور “لم يسبق لها أن استفادت من أي مخطط سياحي أو برنامج إقليمي أو جهوي يعنى بالواحات، رغم أن الجمعية تقدمت بمشروع سياحي بيئي وافقت عليه جماعة تلمزون ووفرت له وعاء عقاريا والتزمت وكالة الجنوب بتمويله ودعمه؛ غير أنه انطلق ولم يكتمل وإلى حدود الساعة نتساءل عن الأسباب”.
وأكد الفاعل الجمعوي نفسه ضمن تصريحه ضرورة إدراج واحة وين مذكور ضمن أولويات المجالس المنتخبة بجهة كلميم وادنون، وذلك من أجل حفظها من الاندثار عبر زيادة زرع أشجار النخيل ودعم مبادرات ساكنتها الرامية إلى إنشاء مشروع سياحي يليق بها.
“وين مذكور في حاجة إلى التفاتة مستعجلة من الإدارات المعنية بالسياحة وبرامج الواحات، وذلك من خلال زيارة المكان وتحيين معطياته. كما أن السلطات المحلية بإقليم طانطان مطالبة بالتدخل لإنقاذ هذا الفضاء الطبيعي والسياحي وبرمجته كمحطة في مجموعة من الأنشطة الثقافية الكبرى، على سبيل المثال موسم ألموكار، وجلب الاستثمار والمستثمرين في مجال السياحة”، يضيف المحفوظ ماء العينين.
موقع سياحي واعد
الراجي العلوي سيدي أحمد، مندوب وزارة السياحة بجهة كلميم واد نون، قال في هذا الصدد: “كما يعلم الجميع فجهة كلميم وادنون هي من بين الجهات التي تمتاز بتنوع ثقافي جد مهم، حيث تلتقي الحسانية بالأمازيغية والعبرية، وكذا ثقافة الرحل، فضلا عن كونها وعاء جغرافيا يتميز بعدة مؤهلات طبيعية انطلاقا من الجبال ومرورا بالكثبان الرملية والصحاري، وصولا إلى البحار والواحات، وهي مميزات تجعلها من بين القبلات الواعدة التي تعول على القطاع السياحي للعب دور المحرك الأساسي في الاقتصاد المحلي والجهوي”.
وأضاف الراجي العلوي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “واحة وين مذكور هي من المواقع المتميزة المتواجدة بجهة كلميم وادنون، بحكم قربها من الساحل الأطلسي وغناها من حيث المعطى الثقافي والطبيعي الذي يؤهلها للعب دور محوري في تسويق السياحة بإقليم طانطان والمنطقة عموما”.
وأشار المسؤول الجهوي ذاته إلى أن “وين مذكور منطقة سياحية جد واعدة، سواء من خلال مؤهلاتها الطبيعية كواحة أو من حيث انتدابها الخلفي كأحد المواطن الأولى للمجال الصحراوي الذي يعطي نفحة في مجال العرض السياحي إقليميا وجهويا”.
“من أجل ذلك فقطاع السياحة يعي جيدا أهمية هذا الموقع السياحي المتميز ويضعه ضمن إستراتيجيته العامة في الجانب المتعلق بالسياحة القروية، من خلال تنفيذ البرنامج الذي تم توقيعه أمام أنظار جلالة الملك نصره الله بمدينة الداخلة في شقه المتعلق باتفاقية تأهيل القطاع السياحي بجهة كلميم وادنون، بغلاف مالي يقدر بحوالي 124 مليون درهم”، يورد مندوب وزارة السياحة بجهة كلميم واد نون.
وأوضح الراجي العلوي، في ختام تصريحه لهسبريس، أن “هذا المشروع الذي يشرف عليه مجلس جهة كلميم وادنون يهدف إلى تأهيل جميع المواقع السياحية بالجهة، ومنها واحة وين مذكور، عبر ضمها للمدارات السياحية، سواء على مستوى الإقليم أو الجهة، وجعلها نقطة ارتكاز داخلها، وكذا تمكينها من بنية تحتية للإيواء من خلال إنشاء مخيم سياحي من الطراز الرفيع وتعزيزه بنقطة لتثمين وبيع المنتجات المجالية”.
تأهيل مخطط
لالة المزليقي، نائبة رئيسة جهة كلميم وادنون، قالت في تصريح لجريدة هسبريس إن “مجلس جهة كلميم وادنون يشتغل وفق مخطط التنمية الجهوي الذي يعتبر الوثيقة المرجعية وخارطة الطريق التي من بين أهدافها الأساسية إبراز المؤهلات التي تتوفر عليها الجهة، سواء كانت سياحية أو فلاحية أو غيرها”.
وفي هذا الصدد أوضحت المتحدثة ذاتها أنه تم فتح ورش “يتوفر على عدة ملفات إجرائية متعلقة بخلق عرض للسياحة البيئية، ومن أجل تنزيله تم التفكير في إستراتيجية واضحة لتحديد المواقع السياحية بالجهة، بهدف الوقوف على التمركز المستقبلي لقطاع السياحة على مستوى كلميم وادنون”.
“طبعا واحة وين مذكور ستكون من بين المواقع السياحية التي ستستفيد من هذه الدراسة ومن برنامج الدعم والمساعدة لإنشاء مآو سياحية وفضاءات للإقامة المؤقتة، وذلك من أجل تثمين الموقع وجعله من نقاط الجذب السياحي بإقليم طانطان والجهة عموما”، تضيف لالة المزليقي.
وتابعت نائبة رئيسة جهة كلميم وادنون: “هناك أيضا برنامج من شأنه إعادة الاعتبار لواحة وين مذكور، ويتعلق الأمر ببرنامج التنمية الجهوي الذي يهدف إلى إعادة تأهيل المنظومة الواحاتية بتراب الجهة، وفي هذا الإطار سيتم تمكينها كخطوة أولى من مجموعة من المعايير حتى تكون مؤهلة للاستفادة من البرنامج الذي سيمكن من خلق مجموعة من المشاريع المدرة للدخل على مستوى الجهة”.
وأكدت ممثلة إقليم طانطان بمجلس جهة وادنون أن “النهوض بواحة وين مذكور وانتشالها من التهميش الذي طالها لعقود وتسبب في فقدانها الهوية الواحاتية رهين بإعادة غرس مجموعة من أشجار النخيل، فضلا عن دعم العمل التعاوني عبر استهداف نساء المنطقة ودعمهن في إنتاج وتسويق المنتجات المجالية التي تمتاز بها المنطقة، على سبيل المثال الكسكس الخماسي وحليب الماعز و’الدهن’ كما نسميه بالحسانية، وغيره من مشتقات الحليب، ودمجها ضمن سلسلة إنتاج تستحضر الخصوصية المحلية التي ستكون لا محالة خطوة انطلاقة حقيقية نحو سياحة إقليمية ثم جهوية وبعدها وطنية”.
“دون أن ننسى ضرورة الاشتغال على المسارات السياحية، خصوصا أننا ضمن فضاء يجمع بين الصحراء والمحيط الأطلسي، على اعتبار أن إقليم طانطان يتوفر على واجهتين، الأولى بحرية والثانية بيئية صحراوية؛ وهكذا سنتمكن من خلق إشعاع لواحة وين مذكور وكافة المجالات الترابية والبحرية المحيطة بها”، تورد المتحدثة نفسها.
كما أشارت لالة المزليقي إلى أن جهة كلميم وادنون باشرت عملها على أرض الواقع عبر إحداث شركة التنمية الجهوية للسياحة التي ستوكل لها مهمة المواكبة والتنسيق بين جميع الأطراف لتحقيق الأهداف المسطرة، ومن ضمنها تأهيل واحة وين مذكور، لافتة إلى أن “الجهة خصصت ميزانيات مهمة لهذا الغرض، إذ رصدت مبلغا ماليا يناهز 123 مليون درهم لبرنامج السياحة القروية بمعية شركائها؛ إضافة إلى إحداث شركة التنمية الجهوية بتكلفة 100 مليون درهم، فضلا عن تخصيص ميزانية تناهز 127 مليون درهم لفائدة برنامج تأهيل المجالات الواحاتية”.
المصدر: وكالات