تفاعلت الهيئات الحزبية المغربية مع مضامين الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.
واعتبرت قيادات حزبية، ضمن تصريحات لهسبريس، أن الرسالة الملكية ستسرع تنزيل ورش إصلاح المدونة، التي كانت طيلة الأشهر الماضية محط نقاش وجدل وتجاذب بين التيارات “المحافظة” و”الحداثية”.
أحمد التويزي، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، قال إن الرسالة الملكية تأتي في إطار اهتمام الملك بحقوق المرأة منذ توليه العرش، والقيمة الكبيرة التي يوليها لحقوقها الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح المتحدث أن المدونة الحالية تضمنت مضامين متطورة كبيرة؛ لكن بات من الضروري تطويرها أكثر، مضيفا: “الرسالة واضحة، وعلى وزارة العدل والنيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقطاعات الحكومية المعنية والمجتمع المدني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس العلمي الأعلى أن ينكبوا داخل أجل واضح حدده الملك في ستة أشهر على وضع التعديلات الخاصة بالمدونة”.
وقال التويزي إن “الرسالة الملكية ستسرع بتعديل المدونة، كما أنها وضعت حدا للمزايدات التي كانت تحيط بهذا الموضوع”.
تجنب تقسيم المجتمع
تلقت شرفات أفيلال، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ورئيسة منتدى المناصفة والمساواة، التعليمات الملكية بارتياح، مبرزة أن ورش إصلاح مدونة الأسرة أضحى مستعجلا، لكونها لم تعد متناغمة مع أسمى وثيقة تؤطر المواطنين.
وقالت الوزيرة السابقة إن “الملك دائما كان يصطف إلى جانب النساء وحقوقهن الكونية، نتمنى أن يشكل هذا درسا في إبراز توافق مجتمعي حول الوثيقة الدستورية دون أن يكون هناك اصطفاف وتقاطبات، الحداثي والمحافظ”.
وأشارت إلى أن الطبقة الحقوقية في المغرب لديها ما يكفي من التجربة لتنضج توافقا حول الموضوع كما حدث سنة 2004، وتجنب الشرخ داخل المجتمع بما فيه انتصار للمغرب بهدف السير نحو مجتمع تكرس فيه المساواة والمصلحة الفضلى للطفل.
وعبر منتدى المناصفة والمساواة عن جاهزيته للانخراط في هذا المسار، واستعداده للتنسيق مع كافة مكونات الحركة الديمقراطية والحقوقية والنسائية، ارتكازا على مذكرة واقتراحات دقيقة ومضبوطة واستنادا إلى حمل التقدم والاشتراكية منذ نشأته لمشروع فكري وسياسي تشكل فيه المساواة محورا مركزيا، باعتبارها قضية حقوقية وديمقراطية ورهانا للعدالة الاجتماعية والتنمية والتقدم.
ويتطلع المنتدى إلى أن تسفر إعادة فتح هذا الورش الأساسي عن مشروع إصلاحي جوهري للمدونة يكون متناغما مع منطوق الدستور وروحه، ومع المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، ومع المقاصد الإنسانية النبيلة للدين الإسلامي ومع الاجتهادات المتنورة، ومُتفاعلاً مع التحولات والتغيرات العميقة لمجتمعنا المغربي.
أمير المؤمنين
أكدت حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، أنه لسنوات “ننتظر ترجمة توجيهات خطاب العرش لسنة 2002 لتكون بمثابة خارطة طريق لتنزيل أمثل لتعديلات مدونة الأسرة يتجاوز الاختلالات الحالية التي كشفتها تجربة حوالي 20 سنة من اعتماد المدونة”.
وأشارت إلى أن الملك قد حسم الجدل حول آلية التعديل، بالدمج بين الاختيار الديمقراطي من خلال جعل التعديل يمر من القناتين الوزارية والبرلمانية والمقاربة التشاركية بالتوجيهات الملكية للانفتاح على المجتمع المدني والمتخصصين والمؤسسات التي يمكن أن تكون لها علاقة بهذا الملف، وكذا باعتماد الانطلاق من الخبرات القانونية والقضائية المتوفرة عند وزارة العدل ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ مما سيساهم في ربح الوقت وتفادي الصياغات والأخطاء القانونية عند بناء الأرضية القانونية والتشريعية الملائمة.
واعتبرت انطلاق البلاغ من صفة الملك الدينية باعتباره أميرا للمؤمنين يعبر عن الخصوصية المغربية المتفردة في الحكم والتدبير والسياسة وحماية التعددية، مبرزة أن توجيهات الملك بخصوص تكليف رئيس الحكومة والإشراف العملي لوزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء ورئاسة النيابة العامة، ثم التأكيد على خروج التعديلات بقانون يصادق عليه البرلمان هي توجيهات بخلفية قانونية وتنظيمية وتشريعية نابعة من المرجعية الدستورية؛ وبالتالي لا مجال لأية مزايدات تحت أي غطاء ديني، فمسطرة التعديلات ستكون عادية كأي قانون، وإن كانت بحمولة رمزية استثنائية، والملك وحده الضامن لاحترام عقيدة المغاربة، كما هو الضامن للحقوق والحريات.
الحرام والحلال
أشارت منظمة المرأة الاستقلالية إلى أن هذا التوجيه الملكي يشكل لبنة مركزية في مسار الإصلاحات الحقوقية التي عرفها المغرب، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق المرأة المغربية التي عرفت وضعيتها في عهد الملك ثورة حقيقية في شتى المجالات.
وأكدت المنظمة انخراطها في هذا الإصلاح، من خلال المذكرة التي باشرت إعدادها غداة الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش والتي تم إعدادها من خلال استلهام التراث الفكري المقاصدي للزعيم الاستقلالي علال الفاسي.
ودعت الهيئة ذاتها إلى النأي عن المزايدات السياسية وعن محاولات احتكار قراءات معينة للنصوص الدينية في التعاطي مع هذا الإصلاح المجتمعي، مؤكدة أن ما ينبغي أن يحكم على الدوام النقاش حول هذا الموضوع هو ما تضمنه خطاب الملك بمناسبة عيد العرش؛ “وبصفتي أميرا للمؤمنين فإني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.
وثمنت منظمة المرأة الاستقلالية دعوة الملك إلى إشراك الهيئات المعنية بصفة مباشرة بهذا الموضوع؛ وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن وبالإدماج الاجتماعي وبالأسرة، مشددة على أن هذا الطابع التعددي والتشاركي يشكل ضمانة أساس من أجل إغناء التوصيات التي سترفع إلى ملك البلاد.
المصدر: وكالات