بعد أخذٍ وردٍّ بين مكونات الحكومة دام أسابيع طويلة، صادقت حكومة عزيز أخنوش، في اجتماعها الأسبوعي الأخير، على مشروع قانون العقوبات البديلة، الذي يرتقب أن يشكل لبنة جديدة في مسار تنزيل توصيات الميثاق الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.
بعيدا عن الخلافات التي طفت إلى السطح حول “شراء أيام السجن” داخل البيت الحكومي، والتي انتهى الأمر بسحبها من الصيغة الجديدة، أكد مشروع القانون أنه يأتي في إطار الجهود الرامية إلى تجاوز مساوئ العقوبات السالبة للحرية وما يستتبعها من آثار سلبية.
وبدا لافتا أن قانون العقوبات البديلة من بين الأهداف التي جاء من أجل تحقيقها الحد من الاكتظاظ الذي تعاني منه المؤسسات السجنية بالمغرب، إذ إن معظم التشريعات المعاصرة صبت جهودها على البحث عن سياسة جنائية أكثر ملاءمة للعصر وللأفكار وللنظريات السائدة التي تقوم أساسا على إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية.
وبعد مصادقة الحكومة على مشروع القانون المثير والنوعي، بدأت تطرح تساؤلات عديدة حول مدى قدرته على تحقيق الأهداف المرجوة من خلال إقراره، وخاصة على مستوى الاكتظاظ الذي يؤرق بال الحكومة والمؤسسات الساهرة على تدبير السجون بالمملكة، لتلافي الانتقادات التي توجه إليها بسبب الظاهرة التي لطالما جرّت على المغرب انتقادات المنظمات والهيئات الحقوقية في الداخل والخارج.
عبد اللطيف رفوع، رئيس المرصد المغربي للسجون، اعتبر، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن فلسفة العقوبات البديلة ليست فقط إصلاح ومعالجة وضعية الاكتظاظ في السجون؛ بل “هي أبعد وأعمق من ذلك بكثير”.
وأوضح رفوع أن العقوبات البديلة جاءت من أجل إصلاح الأعطاب الموجودة في السياسة الجنائية ورفع التجريم عن بعض الجرائم التي أضحت متجاوزة، ولا يمكن أن تبقى أفعالا يعاقب عليها القانون، مثل التسول والتشرد.
وأكد رئيس المرصد المغربي للسجون أن إقرار قانون العقوبات البديلة مناسبة “كنا، في الحركة الحقوقية والمرصد المغربي للسجون، نبتغي من ورائها إصلاح الأعطاب المتحدث ذاته في الأحكام القضائية بصفة عامة، والحد من سلب الحرية”.
كما أشار إلى أن هذا النوع من العقوبات يعقد عليه الأمل في مساعدة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج على لعب أدوارها كما يجب، باعتبار أن كل البرامج التأهيلية التي تعمل المندوبية على إنجازها “لا يمكنها تفعيلها بسبب ظاهرة الاكتظاظ”.
وردا على سؤال مباشر للموقع حول ما إذا كانت هذه العقوبات ستحد من ظاهرة الاكتظاظ في السجون المغربية، رد رئيس المرصد المغربي للسجون بالنفي، قائلا: “لا أبدا، يمكن أن تساهم في التخفيف بنسبة جد بسيطة من الاكتظاظ”، متسائلا: “لماذا لا نفكر في محو الجرائم البسيطة داخل المنظومة الجنائية؟ لماذا نلجأ دائما إلى السجن؟ أليست هناك عقوبات أخرى يمكن أن تكون محل متابعة وأحكام؟ أظن أن هناك تجارب رائدة في المجال على المستوى الأوروبي وأخذنا منها بعض الأمور”.
وزاد رفوع موضحا أن قانون العقوبات البديلة الذي صادقت عليه الحكومة “أخذ بعض الأمور بشكل محتشم”، متسائلا عن وضعية المعتقلين الأجانب في هذا الإطار، ووضعية الفئات الهشة مثل النساء، بالإضافة إلى الأحداث، والمعتقلين من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين قال إن القانون تحدث عنهم و”لكن بشكل محتشم”.
واستدرك المتحدث ذاته قائلا: “رغم ذلك، لا نقول إن مشروع الحكومة غير جيد، وإنما كان طموحنا أكبر من ذلك وتجد فيه كل الفئات نفسها”، وأضاف معاتبا “ما هي وضعية المسنين في علاقتهم بالعقوبات البديلة؟ هل يمكن أن نتحدث مع رجل يبلغ من العمر 70 سنة على خدمة المنفعة العامة؟ إذن، هناك بعض الفئات الهشة داخل المؤسسات السجنية ربما لم تستطع العقوبات البديلة إيجاد إجابة كافية بخصوصهم”، معربا عن أمله في أن تعالج النصوص التنظيمية التي ستصدر لاحقا بعض الثغرات التي جاءت في القانون، وفق تعبيره.
المصدر: وكالات