عندما افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برج “البيت التركي” الشاهق في نيويورك في شتنبر 2021، كان الهدف أن يصبح هذا الصرح رمزًا للقوة المتزايدة لتركيا ونفوذها على الساحة العالمية. لكن بعد مرور بضع سنوات فقط، تحول هذا المشروع الطموح إلى محور فضيحة فساد كبرى تهدد مسيرة العمدة الحالي لمدينة نيويورك، إريك آدامز.
ووفقًا لما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن هذه الفضيحة تتعلق بتلقي آدامز هدايا فاخرة من مسؤولين أتراك، في سياق مساعدة تركيا على تجاوز عقبات قانونية مرتبطة بالمشروع.
بدأت فكرة “البيت التركي” منذ عام 2012، مع سعي تركيا لبناء صرح يرمز لنفوذها المتنامي في قلب مدينة نيويورك. كان الهدف هو إنشاء برج زجاجي حديث يضم القنصلية العامة ومقر البعثة الدائمة لدى الأمم المتحدة. لكن المشروع، الذي بلغت تكلفته 300 مليون دولار، واجه العديد من العقبات القانونية والفنية، مما أدى إلى تأخير إتمامه.
بحلول عام 2018، زادت متطلبات إدارة الإطفاء في نيويورك، ما دفع الأتراك إلى تعديل خطط البناء لتلبية معايير السلامة الجديدة، وهو ما أدى إلى زيادة التكاليف والتأخير. ومع اقتراب موعد افتتاح البرج بالتزامن مع خطاب أردوغان في الأمم المتحدة عام 2021، تدخل العمدة إريك آدامز لمساعدة الأتراك في الحصول على الموافقات اللازمة، وهو ما فتح الباب لاحقًا أمام اتهامات بالفساد.
هدايا فاخرة
تتعلق القضية التي يواجهها آدامز بتلقيه هدايا فاخرة من مسؤولين ورجال أعمال أتراك مقابل تدخله لحل مشاكل تتعلق بسلامة مشروع “البيت التركي”. تشمل الهدايا مجموعة من الامتيازات الفاخرة التي تثير الشكوك حول مدى قانونية هذه التعاملات، وتتمثل وفق “وول ستريت جورنال” في:
رحلات على الدرجة الأولى: يُعد أحد أبرز جوانب القضية تلقي آدامز رحلات فاخرة على متن الخطوط الجوية التركية. وفقًا للائحة الاتهام، حصل العمدة على تذاكر مجانية للدرجة الأولى تضمنت رحلات ذهاب وإياب بين نيويورك وأنقرة وإسطنبول. تم تنظيم هذه الرحلات بالتنسيق مع رجال أعمال ومسؤولين أتراك، وارتبطت مباشرة بتسهيل بعض الإجراءات المرتبطة بمشروع “البيت التركي”.
إقامة في فنادق خمس نجوم: بالإضافة إلى رحلات الطيران، تمتع آدامز بإقامات فاخرة في أفخم الفنادق التركية، التي تضمنت خدمات خاصة مثل الإقامة في الجناح الرئاسي، وجبات فاخرة، ورعاية مخصصة. وحسب المدعين، كانت هذه الإقامات جزءًا من الحزمة التي حصل عليها العمدة مقابل تدخله لحل العقبات القانونية التي كانت تواجه المشروع.
ساعات ثمينة وهدايا شخصية: تضمنت الهدايا أيضًا ساعات يد فاخرة من ماركات عالمية تُقدر قيمتها بآلاف الدولارات، تم تقديمها لآدامز خلال زياراته إلى تركيا أو في لقاءات مع مسؤولين أتراك في نيويورك. هذه الساعات، إلى جانب هدايا أخرى كالمجوهرات والهدايا ذات الطابع الدبلوماسي، أثيرت كدليل على وجود تعاملات تتجاوز “المجاملات الدبلوماسية” العادية.
ولائم وخدمات ضيافة حصرية: إلى جانب الهدايا المادية، تلقى آدامز ولائم فاخرة في أفخم المطاعم التركية خلال زياراته، بالإضافة إلى خدمات ضيافة حصرية تضمنت تجارب تناول الطعام في مواقع سياحية خاصة. علاوة على ذلك، قدمت له خدمات نقل خاصة داخل تركيا عبر سيارات فاخرة مع سائقين، ما عزز الشعور بالرفاهية والضيافة التي كانت جزءًا من الصفقة غير الرسمية.
الفساد تحت المجهر
يشير المدعون الفيدراليون إلى أن الهدايا التي تلقاها آدامز لم تكن مجرد “مجاملات دبلوماسية”، بل كانت جزءًا من “تبادل المصالح” بين العمدة ومسؤولين أتراك. يتهم المدعون آدامز بأنه استغل نفوذه للضغط على إدارة الإطفاء في نيويورك لتسهيل افتتاح البرج، رغم المخاوف المتعلقة بسلامة المبنى. ويؤكدون أن الهدايا كانت بمثابة رشوة لتسهيل هذه التدخلات، التي كانت ضرورية لإتمام المشروع في الوقت المحدد.
من بين تلك التدخلات كان الضغط الذي مارسه آدامز على المسؤولين في نيويورك للموافقة على خطط السلامة المتعلقة بالمبنى، رغم وجود مخاوف تقنية تتعلق بمقاومة الحرائق. ولولا هذا الضغط، لما كان المبنى ليتم افتتاحه في الموعد المحدد لحفل الافتتاح الذي تزامن مع زيارة أردوغان للأمم المتحدة.
في مواجهة هذه الاتهامات، ينفي آدامز ومحاموه جميع التهم الموجهة إليه. أليكس سبيرو، محامي الدفاع، صرح بأن الهدايا التي تلقاها موكله لا ترقى إلى مستوى الجريمة، مؤكدًا أن تلك “الهدايا” تُعتبر مجاملات دبلوماسية وسياسية لا تتجاوز حدود القانون. وأضاف: “الإكراميات ليست جرائم فيدرالية، والهدايا في إطار العلاقات السياسية ليست غير قانونية ما دامت لا تتعلق بالتزامات ملزمة”.
رغم هذا الدفاع، يواصل المدعون الفيدراليون تحقيقاتهم، ويؤكدون أن الأدلة تشير إلى أن الهدايا كانت بمثابة رشوة لتسهيل المصالح التركية في نيويورك.
إذا أدين إريك آدامز في هذه القضية، فإن تداعيات ذلك ستكون جسيمة. من المحتمل أن يتم عزله من منصبه كعمدة لنيويورك، بالإضافة إلى احتمال مواجهته لعقوبات جنائية قد تصل إلى السجن. علاوة على ذلك، ستضع هذه الفضيحة مستقبل آدامز السياسي على المحك، وستؤثر بشكل كبير على العلاقات التركية-الأمريكية التي قد تشهد توترًا بسبب هذه الفضيحة.
يترقب المراقبون تطورات هذه القضية، حيث يرون أن فضيحة الفساد المتعلقة بـ”البيت التركي” قد تكون الضربة القاضية لمسيرة آدامز السياسية، وقد تسلط الضوء على تعقيدات العلاقة بين المصالح السياسية والدبلوماسية في السياق الدولي.
المصدر: وكالات