قال الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير: “واستكمالاً لورش الحماية الاجتماعية، ننتظر الشروع، نهاية هذا العام، كما كان مقررا، في منح التعويضات الاجتماعية لفائدة الأسر المستهدفة؛ ونأمل أن يساهم هذا الدخل المباشر في تحسين الوضع المعيشي لملايين الأسر والأطفال، الذين نحس بمعاناتهم”، مفيدا بأن “هذه الخطوة ستشكّل ركيزة أساسّية في نموذجنا التنموي والاجتماعي لصيانة كرامة المواطنين في كلّ أبعادها”.
ويبدو أن هذا القول، الذي صدر عن العاهل المغربي، خلق، حسب متتبعين، “آمالاً كبيرة وارتياحا لدى العديد من الأسر المغربيّة، التي تنتظر هذا الدعم لينتشلها من مخالب الفقر القاسية”؛ كما أنّه حرّك، بالمقابل، العديد من التّساؤلات حول مدى قدرة الميزانيّة العمومية والاقتصاد الوطنيّ، الذي سجّل نمواً بلغ نسبة 1،3 سنة 2022، حسب تقرير بنك المغرب الأخير، أن يقدم دعما مباشراً لصالح الفئات المعوزة؟ وكيف يتصور خبراؤنا الاقتصاديون هذا الدّعم؟.
ورش مهمّ ومتأخر
الخبير والمحلل الاقتصادي إدريس الفينة قال إنّ “هذا الدعم المباشر سيشكل عبئا كبيرا على موازنة الدولة، لكونه سيكلف ملايير من الدراهم؛ لكنه يبقى ورشا مهما تأخرنا في التفكير فيه، لكونه سيساعد في النهاية على تحريك عجلة الاقتصاد المغربي؛ فالفئات المعوزة التي ستستفيد منه ستصبح في النّهاية فئات منتجة”، مشيرا إلى أنّ “هذا الدعم يدخل في إطار آليات إعادة توزيع الخيرات التي تمّ إنتاجها، لكننا نلاحظ تراجعا مقلقا لنسبة النمو الاقتصادي، الذي يصعّب القيام بمثل هذه البرامج”.
وأفاد الفينة، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأنّ “هذه الأوراش تبقى رغم ذلك جد مهمّة وضروريّة، تبعاً لما تعيشه الفئات الهشّة من صعوبة جراء التّضخم وغلاء المعيشة؛ لذلك التفكير في تسريعه كما ذكر الملك محمد السادس هو خطوة جد إيجابية”، موضحاً أن “المغرب مطالب بالاستمرار في هذا الورش، لكونه سيجني ثماره على المستوى البعيد، حين تصبح الفئات الهشّة مشاركة في الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، لكنه في الجميع الحالات سيكون دعماً مؤقتاً، لكون الفقر مؤقتا في حالات كثيرة”.
وجوابا عن سؤال هسبريس حول الرقم التقديري لكلفة هذا الورش وأثره على ميزانية الدولة، أكد الخبير الاقتصادي أنّه “يعدُّ صعبا الآن تحديد الأثر المتعلق بهذا الورش، لكون الأرقام مرتبطة حصرا بالإحصاء الوطني للسكان وبأعداد الأسر التي ستستفيد ومبلغ الدعم، لكنّ التقديرات الاقتصادية تفيد بأنه سيكون عالي الكلفة”، مضيفاً: “لو حاولنا مثلاً اعتماد المعايير نفسها التي اعتُمدت في دعم الأسر خلال جائحة كورونا فقد بلغ الدعم حينها 5 مليارات درهم في السنة، وهذا رقم جد ضخم، يعكس أهمية هذا الورش”.
وأجمل الفينة بأن “قيمة هذا الورش كبيرة اقتصاديا واجتماعيا، لكونه يحاول رد الاعتبار وحفظ كرامة المواطن المغربي بشكل عام”، مشيرا إلى أنه أيضا “يروم تصويب مسار دام 23 سنة، لم نستطع فيه أن نُخرج العديد من الأسر المغربية من كافة مظاهر الهشاشة”، وموضحا أنّ “السياسيات الاقتصادية السابقة طرحت الكثير من الأسئلة حول مبدأي الفعالية والنجاعة؛ لكونها رغم كل الجهود لم تسعف في القضاء على مظاهر الهشاشة بسرعة كافيّة، وفي الوقت نفسه لم تساهم في تسهيل الطّريق للحصول على نسب نمو مرتفعة في السّنوات الأخيرة الماضيّة، وهو ما يحتاج منّا جدية كبيرة كما ورد في خطاب الملك”.
دعم.. لكن مرحليا؟
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المهدي فقير إنّ “السؤال المتعلق بقدرة المالية العموميّة المغربية على تحمّل تبعات الدعم المباشر لا يمكن أن نجيب عنه حاليّا لا بالنفي ولا بالإيجاب، لكون الأمر يعتمد على معايير كمية دقيقة سنسائل من خلالها إمكانات الخزينة على مواكبة هذا الدعم”، وزاد موضحا: “هناك كذلك معايير كيفيّة، سنستنتج من خلالها أن هناك ميزانية سترصد وستوزع على المستفيدين؛ وهنا ستكون الإجابة حسابيّة، ولكن هل سيحقق هذا الدعم الأهداف المرجوة منه؟ فهذا سؤال آخر، ستجيب عنه النتائج وليس الفرضيّات”.
وأفاد فقير، وهو يتحدث إلى جريدة هسبريس، بأنّ “هذا الورش الملكي إستراتيجي، لكن يجب أن يعي الفاعل السياسي والاقتصادي أنه لا يجب أن يتحوّل إلى ريع، يعني يجب أن يكون مرحليا في أفق دعم الفئات المعوزة وتأهيلها وترقيتها اجتماعيا”، مبرزاً أنّ “هذا الدعم سيشكل قاطرة لخلق مجتمع صلب وقوي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ومنتج واستهلاكي له مداخيل هامة تجعل الشعب المغربيّ بمنأى عن الاستفادة من الدّعم العموميّ؛ وإذا أخذنا الدّعم مرحليًّا فستكون له نتائج مساهمة في النمو الاقتصادي على المستوى القريب والبعيد”.
كما ذكر المحلل الاقتصادي أنّ “الأمر مُستبعدٌ أن يكون صانع القرار بالمغرب فكّر في جعل هذا الدعم المباشر دائما بلا توقف نهائيا، لكون هذا سيجعله ليس دعما، بل ريعا خالصا، ولن يكون كسبا منتجا في النهاية”، مفيدا بأنّ “نقاش إلغاء صندوق المقاصة لا يجب أن نفكر فيه حاليا، لكون هذا الصّندوق راكم تجربة مهمّة في مجال الدّعم ينبغي الاستفادة منها، ولا بد من تحويله لتستفيد منه الفئات التي تستحقه؛ وأما التضخم فسيبقى في ظل الأزمة العالمية، ولهذا يجب أن نجعل من هذا الدعم المباشر فرصة لدعم الثقة في الاقتصاد المغربي”.
المصدر: وكالات