قبيل أشهر من شروع الدولة في صرف الدعم الاجتماعي المباشر الذي يستهدف الأطفال والأسر الفقيرة والهشة، قدم مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة “نقطة يقظة” تتضمن مفاتيح لفهم الدعم الذي ينطلق صرفه ابتداء من شهر دجنبر المقبل.
واعتبر المركز، في نقطة يقظة حول “الدعم الاجتماعي المباشر خمسة مفاتيح للفهم.. من عشوائية المقاصة إلى نجاعة الاستهداف”، أن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر يمثل “ثورة ستشكل جيلا جديدا من التعاقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين، ونواة صلبة لمغرب الغد من شأنها تعزيز الإحساس بالانتماء إلى الوطن ورفع منسوب الثقة في المؤسسات ويؤهل المغرب إلى الارتقاء في تصنيف الدول الصاعدة”.
وأفادت الوثيقة، التي أعدها محمد طارق، أستاذ القانون الاجتماعي جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، بأن الدعم الاجتماعي المباشر، الذي يهدف إلى مكافحة الفقر على المدى الطويل وتحسين القدرة الشرائية للأسر الفقيرة والهشة، سيمكّن من الانتقال من “عشوائية صندوق المقاصة” إلى “نجاعة الاستهداف”.
وسيتم تحديد الأسر المؤهلة للاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر من خلال تقييم مستوى معيشة الأسر، حيث سيخوّل لجميع الأسر المسجلة في السجل الاجتماعي الموحد، والتي حصلت على المعدل المؤهل للاستفادة.
بخصوص الدعم الاجتماعي المباشر عن الولادة، اعتبرت نقطة اليقظة التي أصدرها مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصر أن هذا الإجراء يُعتبر من الإجراءات المبتكرة الجديدة في مسألة الدعم، حيث كان حكرا على بعض شركات القطاع الخاص وبعض الإدارات العمومية التي كانت تقدم دعما اجتماعيا مباشرا لأجرائها وموظفيها، وفقا لما تحدده العقود المخصصة لهذا الغرض.
وسيتم تقديم دعم اجتماعي مباشر لكل الأسر التي توجد في وضعية فقر أو هشاشة عن الولادة الأولى والثانية، ابتداء من دجنبر 2023، حيث سيحصل المستفيدون على تعويض بقيمة 2000 درهم عن الولادة الأولى، و1000 درهم عن الولادة الثانية.
وأوردت الوثيقة ذاتها أن الدعم الخاص بالولادة سيكون له أثران إيجابيان على المستفيدين، يتمثلان في “تقديم دعم مالي مهم لمرة واحدة للأسر في لحظة حاسمة” و”تعزيز التماسك الأسري والمساهمة في تحسين صحة الرضّع”.
وأعلن الملك محمد السادس، في خطاب افتتاح السنة التشريعية الحالية يوم 13 أكتوبر الماضي، عن إطلاق برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، والذي يشمل التعويضات العائلية، إضافة إلى دعم بعض الفئات التي تحتاج إلى المساعدة؛ كالأطفال في سن التمدرس، والأطفال في وضعية إعاقة، والأطفال حديثي الولادة.
وأكد الملك، في المجلس الوزاري المخصص للتداول في التوجهات العامة لقانون المالية لسنة 2024، أن الدعم الاجتماعي المباشر لن تقل قيمته عن 500 درهم لكل أسرة مستفيدة، كيفما كانت تركيبتها.
وبخصوص الدعم الاجتماعي المباشر للأسر التي لها أطفال، والذي لن يقل عن 500 درهم كحد أدنى (200 درهم شهريا لكل طفل متمدرس، و150 درهما لكل طفل غير متمدرس)، قالت نقطة اليقظة إن هذه التعويضات المالية ستكون لها ثلاثة آثار إيجابية على الأسر المستفيدة، تتمثل في دعم القدرة الشرائية لأسر، والاستثمار في الفئة الأكثر أهمية من السكان (الأطفال)، وتعزيز نسبة التمدرس.
ونوهت الوثيقة ذاتها إلى أن الدعم الاجتماعي المباشر الموجه للأسر بدون أطفال، والتي توجد في وضعية فقر أو هشاشة، يعتبر “حلا مبتكرا في مكافحة الفقر، في الوقت الذي لا يوجد فيه اليوم أي دعم اجتماعي مباشر يستهدف هذه الأسر”.
وبخصوص الدعم المباشر الموجه إلى الأطفال في وضعية إعاقة، خلصت الوثيقة إلى أن هذا المنْح سيُثمر أثريْن إيجابيين، يتمثلان في تعزيز المساواة في الفرص بين الأطفال في وضعية إعاقة وباقي الأطفال، وتعزيز الرعاية الاجتماعية والطبية.
وبينما لم يتبقّ عن صرف الدفعات الأولى من الدعم الاجتماعي المباشر سوى شهرين، أشارت الوثيقة إلى أن التحدي الأساسي لنجاح هذا الورش الأول من نوعه في المغرب هو ضمان ديمومته المالية وضبط قنوات الاستهداف، حيث يتعين تعبئة ميزانية سنوية تتطور في اتجاه تصاعدي من 25 مليار درهم سنة 2024 لتصل إلى 29 مليار درهم سنويا ابتداء من 2026.
وتنضاف الميزانية المذكورة إلى ميزانية الـ10 ملايين درهم التي تخصصها الدولة سنويا لتعميم التغطية الصحية الإجبارية على الأسر الفقيرة والهشة؛ وهو ما يمثل، إجمالا، ميزانية سنوية تقارب 40 مليار درهم بحلول عام 2024، تخصص لشقّي التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر من ورش تعميم الحماية الاجتماعية.
ويقتضي تجاوز التحدي الميزانياتي الذي يطرحه برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، حسب مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصر، اتخاذ عدد من الإجراءات؛ من قبيل تعبئة العديد من الموارد المالية للدولة، وتنويع المداخيل الضريبية، مع ضرورة وعقلنة وتجميع وإعادة توجيه الاعتمادات المالية المسخرة لمجموعة من برامج الدعم السابقة، والشروع التدريجي لصندوق المقاصة.
ويرى المركز أن هذه الإجراءات ستمكن الحكومة من تعبئة 20 مليار درهم عن طريق الموارد الذاتية للدولة، في ظرف الثلاث سنوات المقبلة، و6 ملايين درهم من العائدات الجبائية المتعلقة بالمساهمة الاجتماعية التضامنية على الأرباح والدخول الخاصة بالمقاولات “في إطار انخراطها المسؤول في إنجاح هذا الورش الوطني”، إضافة إلى 9 ملايين درهم تهم احتياطي صندوق التماسك الاجتماعي لسنة 2024 فقط.
المصدر: وكالات