يُعتبر الصَّداق أو المهر من حقوق الزوجة على الزوج، غير أنه تحوّل، في السنين الأخيرة، إلى عقبة أمام عدد من الشباب من ذوي الدخل المحدود في سبيل الزواج، حيث تطلب بعض العائلات صداقا بقدر كبير من المال لتزويج بناتهن.
رفض إسقاط الصداق
رغم أن الصداق ليس من “أركان الزواج”، إلا أن أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية تشددوا في ضرورة الالتزام به، ورفضوا أن يتم الاتفاق بين طرفي العلاقة الزوجية حين العقد على إسقاطه بالمرة.
وخلال مناقشة مشروع مدونة الأسرة أمام البرلمان، أثير التساؤل عن مآل عقد الزواج الذي يكون خاليا من الصداق، أو الذي تم فيه السكوت عن ذكر الصداق، فكان جواب وزير العدل أن “الصداق ضروري”، بحسب ما جاء في مجلد الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة.
وفي حال السكوت عن ذكر الصداق في العقد، اعتبر وزير العدل، آنذاك، أن هذا الأمر قد يقع، لكنه لا يؤدي إلى بطلان العقد، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة يُصار إلى ما يطلق عليه “زواج التفويض”، حيث يمكن تحديد مقدار الصداق استقبالا بعد العقد.
و”زواج التفويض” هو الذي يتم فيه إبرام عقد الزواج دون تحديد مبلغ الصداق ويفوض ذلك للزوج أو للزوجة ويتم السكوت عنه وعدم التعرض لقدره.
وناقشت اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية هذا الموضوع، معتبرة أنه “لا إشكال فيه”، معللة موقفها بكون المشرّع المغربي “وضع لحالة افتراض السكوت عن ذكره الحل الذي يجب تطبيقه، إذ يمكن للمرأة أن تطلب من القضاء تحديده، والقضاء يراعي عند البت في الطلب الوسط الاجتماعي للزوجين، والأعراف المعمول بها، وهو ما يسمى بـ”صداق المثل”.
ونصت المادة 26 من مدونة الأسرة على أن “الصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته إشعارا بالرغبة في عقد الزواج وإنشاء أسرة مستقرة، وتثبيت أسس المودة والعشرة بين الزوجين، وأساسه الشرعي هو قيمته المعنوية والرمزية، وليس قيمته المادية”.
وبالرغم من تغليب الجانب الرمزي للصداق على الجانب المادي في نص مدونة الأسرة، إلا أن وزير العدل أكد خلال مناقشة مشروع المدونة في البرلمان أنّ كون الصداق له قيمة رمزية، “لا يمنع من اعتبار قيمته المادية، والاتفاق بشأنه على قدر معين يؤدى من البداية أو يؤخر الأداء إلى أجل معين”.
وأشار وزير العدل إلى أن الغاية من عدم المغالاة في الصداق، “هي تجنب كل أنواع التوتر والتشنج الذي يحدث أحيانا في الأسرة نتيجة لهذه المغالاة”.
عيب في الزوج
وتعكس آراء بعض اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأسرة المكانة التي يحظى بها الصداق ضمن حقوق الزوجة على الزوج، حيث اقترح أحد أعضاء اللجنة إعطاء المرأة حق الامتياز، المنصوص عليه في المادة 1248 من ظهير الالتزامات والعقود، من أجل تمكينها من المطالبة بالحصول على ما تبقى من الصداق في ذمة الزوج، بعد الطلاق مثلا، إذا وقعت المعاشرة الزوجية قبل الأداء، حيث يصير في هذه الحالة ديْنا في ذمة الرجل.
وأيد عضو آخر هذا الاقتراح، معتبرا أن المهر في أساسه يكون معجلا، والاستثناء فيه هو التأجيل، وأن الشريعة الإسلامية أقرت حق الامتياز، على غرار نفقات الميت بعد وفاته، مبرزا أنه ليس هناك ما يمنع من استلهام القواعد المنصوص عليها في ظهير الالتزامات والعقود لإعطاء المرأة التي لم تستفد من كل صداقها حق الامتياز.
هذا المقترح قُوبل برأي مخالف من طرف عضو آخر باللجنة، رأى أن مسألة الامتياز لا تتماشى وروح العدل الذي يجب أن يطبع نصوص مدونة الأسرة، “لأن منح امتياز لفئة دون أخرى فيه حيف لفئة دون أخرى، فالديْن قد يكون لليتامى وهو أولى من ديون صداق المرأة”.
ولفت العضو ذاته إلى أن الشرع أعطى للمرأة الحق في طلب كل صداقها قبل الدخول بها، أما وقد تساهلت في هذا الجانب، فإن أي ضرر يلحق بها يجب أن تتحمله، لأنه لا يوجد هناك أي أساس يمكن الأخذ به لإعطاء المرأة حق الامتياز في أخذ كل مال الزوج عند الطلاق أو الإفلاس وتتعرض حقوق الدائنين الآخرين للضياع.
وارتأت اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية عدم الأخذ باقتراح منح الامتياز للمرأة التي لم تستفد من كل صداقها، معللة موقفها “بكون مسألة المهر عند الفقهاء يجب أن تراعى فيه نسبة أو مقدار الصداق، فإذا كان هزيلا فلا يُمدد في الآجال”، مستدلة بالقاعدة الفقهية “بحسب المهور في المقدار ونسبة الأزواج والأقدار”، التي ذكرها الفقه لحماية الصداق.
واعتمدت اللجنة في المادة 31 من مدونة الأسرة ما يلي: “يؤدى الصداق عند حلول الأجل المتفق عليه. للزوجة المطالبة بأداء الحال من الصداق (مقدَّم الصداق) قبل بداية المعاشرة الزوجية. إذا وقعت المعاشرة الزوجية قبل الأداء، أصبح الصداق ديْنا في ذمة الزوج”.
ويسقط حق الزوجة في الصداق، في ثلاث حالات، كما هو منصوص عليه في المادة 132 من مدونة الأسرة، وهي: إذا وقع فسخ عقد الزواج، وإذا حدث الطلاق في زواج التفويض، وإذا وقع ردّ عقد الزواج بسبب في الزوجة، أو كان الرد من الزوجة بسبب عيب في الزوج”.
النقطة الأخيرة أثارت حفيظة نواب برلمانيين خلال مناقشة مشروع المدونة أمام البرلمان، حيث تساءل بعضهم حول مبررات استرداد الصداق عند الطلاق بسبب وجود عيب في الزوج، ومدى صعوبة إثبات هذا العيب.
وردا على ذلك، أوضح وزير العدل أن التنصيص على عدم استحقاق الزوجة للصداق في حالة رد العقد قبل البناء (الدخول بالزوجة) بسبب عيب في الزوج، “ليس فيه أي حيف عليها، بل يدخل ضمن باب تحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، لأن العيب ليس اختياريا، بل هو قضاء وقدر، وقد يكون في الزوج أو الزوجة”.
المصدر: وكالات