تضع أبوظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، اللمسات الأخيرة على إستراتيجية اقتصادية جديدة شاملة تعزز مكانتها كمركز عالمي للاستثمار، وذلك بعدما نجحت في تحويل التقلبات العالمية المرتبطة أساسا بتداعيات جائحة “كورونا” والحرب الروسية الأوكرانية إلى فرص اقتصادية واعدة، كما تظهر ذلك الأرقام والمؤشرات الصادرة عن المكتب الإعلامي لحكومة أبوظبي تزامنا مع نهاية سنة 2022.
ويتساءل كثير من زوار أبوظبي عن سر نجاح أكبر الإمارات السبع للدولة الاتحادية. لكن بحسب مسؤولين التقت بهم هسبريس على هامش زيارة وفد إعلامي إلى أبوظبي، فإن الوصفة السحرية تكمن في العناية بالموارد البشرية، وتوفير بيئة استثمارية محفزة لمختلف الشركات العالمية، وتنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل بالاعتماد على القطاعات غير النفطية، وهو ما يجعل هذه الإمارة الخليجية تتصدر معظم المؤشرات العالمية المتعلقة بالتنافسية الاقتصادية.
إستراتيجية اقتصادية جديدة
قال محمد علي الشرفاء الحمادي، رئيس دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، إن الدائرة تعكف حاليا على وضع اللمسات النهائية لإستراتيجية اقتصادية جديدة شاملة، تستهدف مجموعة من القطاعات الرئيسية التي تسهم بشكل كبير في تحفيز النمو وتحقيق التنوع الاقتصادي، كما تنطوي على فرص واعدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، فضلاً عن توفير فرص عمل متميزة للعمالة الماهرة.
ورغم السياق العالمي الصعب الذي أدى إلى إبطاء النمو الاقتصادي ورفع معدلات التضخم في دول اقتصادية كبرى، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي لإمارة أبوظبي بنسبة 11.2 % خلال النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. كما تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للإمارة سجل أعلى قيمة له خلال ست سنوات في الربع الثاني من عام 2022، حيث بلغ 278.1 مليار درهم، بمعدل نمو 11.7% مقارنةً بالربع نفسه من العام السابق، و”هو ما يعكس قوة اقتصاد الإمارة ومرونته، وقدرته على الحفاظ على مكانته التنافسية ومواصلة النمو في ظل التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي”، وفق تصريح محمد علي الشرفاء الحمادي لجريدة هسبريس.
وفي إطار جهود تعزيز مكانة الإمارة كوجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، يشير المسؤول الإماراتي ذاته إلى أن أبوظبي عملت على تهيئة بيئة استثمارية تنافسية ومرنة من خلال إطلاق حزمة من المبادرات التحفيزية، بما يعزز من مكانتها على خارطة الاستثمار العالمي والإقليمي، لافتا إلى أن التعديلات التي شهدها قانون الشركات، من حيث السماح للمستثمرين ورواد الأعمال بتأسيس الشركات وتملكها بشكل كامل (100%) في الأنشطة الاقتصادية، تشكل طفرة كبيرة في التشريعات المنظمة لحركة الاستثمارات الأجنبية، وتفتح المجال أمام المستثمرين الأجانب لاغتنام العديد من الفرص الاقتصادية الواعدة ضمن النشاط الاقتصادي.
ويكمن سر النجاح أيضا، وفق رئيس الدائرة التي تعمل على تنظيم الأعمال وقيادة المبادرات الاقتصادية في أبوظبي، في تحديث وتوسيع خيارات الإقامة وتأشيرات الدخول، بما ينسجم مع تعزيز تنافسيتها العالمية ويزيد من فرص استقطاب المستثمرين ورواد الأعمال. كما خفضت إمارة أبوظبي رسوم تأسيس الأعمال التجارية في أبوظبي بنسبة تزيد عن 90% لتصبح 1000 درهم إماراتي. كما تم تخفيض رسوم تجديد الرخص التجارية إلى 1000 درهم كذلك.
وعلى مستوى العلاقات التي تجمع إمارة أبوظبي مع المملكة المغربية، كشف رئيس دائرة التنمية الاقتصادية، لهسبريس، أن قيمة التجارة الخارجية غير النفطية بين إمارة أبو ظبي والمغرب سجلت نمواً ملحوظاً عام 2021 بنسبة تصل إلى 22%.
وأكد محمد علي الشرفاء أن مسار العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية الشقيقة يعد واحداً من أنجح مسارات العلاقات الثنائية المشتركة، التي تتجه نحو تحقيق الأهداف التنموية المستدامة لكلا البلدين، من خلال تعزيز مجالات التعاون القائمة وتحفيز مجتمع الأعمال في كلا الجانبين على استكشاف واغتنام مزيد من الفرص الاستثمارية الواعدة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن إمارة أبو ظبي تسعى إلى تحقيق طموحاتها الاقتصادية من خلال خلق اقتصاد متنوع ومستدام، قادر على التكيف مع مختلف التغيرات والتطورات الاقتصادية، وزاد: “نظراً للدور المحوري لدائرة التنمية الاقتصادية في قيادة الأجندة الاقتصادية للإمارة فإنها تعول بشكل كبير على الاستفادة من شبكة العلاقات الخارجية للإمارة مع العديد من الشركاء الإستراتيجيين، بما يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية تخدم مختلف الأطراف”.
تحويل الصعوبات إلى فرص
يرى المهندس عبد الله عبد العزيز الشامسي، المدير العام بالإنابة لمكتب أبوظبي للاستثمار، أن نجاح إمارة أبوظبي في تجاوز التقلبات الدولية الحرجة خلال السنتين الماضيتين يكمن في تحويل هذه الصعوبات إلى فرص استثمارية حقيقية، إذا عرفنا كيفية الاستغلال الأمثل للإمكانيات الموجودة.
وأوضح المدير العام بالإنابة لمكتب أبوظبي للاستثمار، وهو هيئة حكومية، في تصريح لهسبريس، أن شركات عالمية كبرى لم تعد تكتفي بالاستقرار في أبوظبي، بل تستغل هذا المركز لإدارة فروعها في العالم، مشيرا إلى أن المكتب يوفر مجموعة شاملة من الخدمات والحوافز التي صممت لمساعدة الشركات على تحقيق النمو الطويل والنجاح المستدام لأعمالها في السوق المحلية ومختلف أنحاء المنطقة.
وتركز حكومة أبوظبي على ستة قطاعات أساسية هي: خدمات الرعاية الصحية وصناعة الدواء، والتقنيات المتطورة في عالم الزراعة، وقطاع الابتكار، والسياحة، والخدمات المالية.
ويقدم مكتب الاستثمار حوافز مالية للشركات، من قبيل رسوم التأسيس ورواتب مالية للموظفين، وخدمات متعددة لرعاية المستثمرين، وإيجاد مقرات للشركات، وتسهيلات في البنوك، وتوفير المعلومات والمؤشرات الاقتصادية، وربط الشركات بمنظومة الأعمال، ناهيك عن بيئة ضريبية محفزة لجذب الشركات من مختلف بقاع العالم، وفق إفادات مكتب الاستثمار لوفد إعلامي يضم مؤسسات صحافية من دول عربية مختلفة.
المصدر: وكالات