عادت المخاوف بشأن استنزاف ثروة أشجار الأرز المعمرة بغابات إقليم ميدلت لتقض مضجع الجمعيات الناشطة في الدفاع عن البيئة بالمنطقة تحديدا، بعدما غصّت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بصورٍ تُظهر أشجار أرز عديدة مقطوعة بغابة أنفكو على وجه التحديد، فيما يتضح من علامات المنشار على جزء منها أنها قُطعت حديثا؛ ما دفع ببعض هذه الجمعيات إلى القول إن “هذه الصور تؤكد مرة أخرى أن مجهود محاصرة نهب هذه الثروة لا يزال دون المستوى المطلوب”.
وأثارت الصور المُتداولة تساؤلات ناشطين في مجال حماية البيئة ونفرٍ من ساكنة المنطقة حول أدوار حُراس الغابة “المُناط بهم حمايتها من كافة أشكال التدمير والاستنزاف والاستغلال غير القانوني”، بينما تمسّك آخرون بأن مسؤولية عودة سرقة خشب الأرز راجعة، “بالإضافة إلى التقصير في هذه الأدوار، إلى ضعف اتخاذ خطوات رادعة لمافيات الغابات بالإقليم”.
وأكد بعض هؤلاء الناشطين أن “مافيات الغابات بالإقليم باتت تجد مجالا ‘للنهب بالقانون’ مع السماح بإحداث محلات للنجارة بالقرب من هذه الغابات”، مُطالبين بـ”تشديد المراقبة وتغليظ العقوبات للمتورطين ضمن هذه المافيات”.
إدريس باموح، ناشط بيئي وحقوقي بإقليم ميدلت، قال مُعلقا على الموضوع: “لم نفاجأ بتاتا باستمرار ظاهرة نهب أشجار الأرز بغابات أنفكو، وتكشف الصور المتداولة جزءا يسيرا فقط مما يحدث من مجازر في حق هذه الشجرة بعددٍ من غابات المنطقة”، مُبرزا أن “حوادث سرقة خشب الأرز بهذه الغابات أصبحت أمرا شبه اعتيادي خلال السنوات الأخيرة، أمام جهود نراها دون المستوى المطلوب من قبل السلطات المعنية”.
وأضاف باموح، مُصرحا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “من الناحية المبدئية من غير المنطقي أن نتحدث عن حماية غابات الأرز من النهب والسرقة في حين إن محلات للنجارة تضم آلات لقطع الأشجار موجودة بالقرب منها، إن لم نقل وسطها”، مُردفا أن “هذه المحلات تتوفر على رخص، إلا أننا نعتبر أن وجودها بالقرب من الغابة خطأ يفتح الأبواب أمام القطع والتهريب غير القانوني لشجر الأرز”.
وتابع شارحا: “وجود هذه المحلات يُمكن حائزي هذه الرخص من سرعة تحويل أخشاب الأشجار المقطوعة إلى ألواح، وحينها يصعب تمييز الكميات القانونية من هذه الأخشاب من غير القانونية”.
وشدد الناشط البيئي والحقوقي عينه على أن “تأسيس تعاونيات الخشابين بمنطقة أنفكو، على غرار مناطق إقليم ميدلت، لم يفِ الغرض ولم يتحقق معه حماية لثروة شجر الأرز من الاستنزاف”، مُوضحا أن “هذه التعاونيات وسيلة أخرى تسلكها مافيات الأرز لتدمير الغابة تحت خلفية قانونية، وغالبا ما تجعلها صراعات سياسية في حالة بلوكاج”، وفقه.
وأفاد باموح بأن “الكثير من فعاليات المجتمع المدني بالمنطقة تشتكي سلوكيات بعض الحراس الغابويين الذين لا يتحملون بالشكل الكافي مسؤوليتهم في حماية الغابة”، داعيا “الوكالة الوطنية للمياه والغابات إلى التدخل في هذا الصدد من أجل زيادة منسوب الرقابة بغابات ميدلت، مع التجاوب مع الشكايات العديدة للناشطين البيئيين بالمنطقة بشأن نهب أشجار الأرز”.
من جهته، قال خالد أزريري، رئيس جمعية الرياض للبيئة والتنمية بإقليم ميدلت، إن “المجتمع المدني والحقوقي بالمنطقة طالما ترافع خلال السنوات الأخيرة لدى السلطات المحلية والوكالة الوطنية للمياه والغابات بالإقليم من أجل وضع حد لظاهرة استنزاف شجر الأرز بغابات الإقليم ككل، وليس بغابات أنفكو لوحدها؛ غير أن الظاهرة ما زالت مع الأسف مُستمرة، بل آخذة في الاستفحال”، بتعبيره.
وأوضح أزريري، في تصريح لهسبريس، أن “تفاقم وضعية غابات الأرز بالمنطقة راجع إلى استمرار السرقة اليومية لخشب هذا الشجر من قبل مافيات في وضح النهار دون أن تتعرض للمساءلة القانونية أو القضائية”، لافتا إلى أن “بعض أعضاء هذه المافيات يتوفرون على رخص قانونية، إلا أنهم يلجؤون إلى قطع الأشجار المُعمرة وليس ‘الميتة”.
ولم ينفِ رئيس جمعية الرياض للبيئة والتنمية بإقليم ميدلت أن “بعض الرحل بدورهم يُساهمون في تدهور غابات الأرز بأنفكو وغيرها من غابات المنطقة؛ غير أنه يستحيل منع هؤلاء من الاحتطاب، خصوصا في ظل البرد القارس الذي يعم المنطقة في مثل هذه الفترة كل سنة، مع عدم توفير بدائل لهؤلاء من أجل وقايتهم من قساوة هذا البرد”، بتعبيره.
وأبرز أزريري أن جمعيته وتنظيمات مدنية “قامت، خلال السنوات الأخيرة، بغرس المئات من أشجار الأرز بغابات أنفكو؛ إلا أنه يظهر أن الغرس لن يكون حلا في ظل استمرار زحف المافيات وبعض الرحل المُضطرين على هذه الأشجار”.
وشدد الفاعل البيئي ذاته على ضرورة “إلزام الوكالة الوطنية للمياه والغابات حُراس الغابات بتشديد المراقبة على كافة غابات إقليم ميدلت من خلال التفقد الدوري لهذه الغابات”، مُطالبا بـ”ضرورة الحزم في مواجهة كبار ناهبي الملك الغابوي بالإقليم وإنزال أقصى العقوبات والغرامات بهم”.
المصدر: وكالات