ملاحظات حول “المجتمع الافتراضي المغربي” يقدّمها الباحث في علم الاجتماع الأستاذ الجامعي سعيد بنيس، منبها إلى أن “الانتقال من تَمَغْرِبِيتْ كوعاء هوياتي يحتضن جميع عناصر الشخصية المغربية، بما فيها العناصر الثقافية والتاريخية والحضارية والإنسانية، إلى نْيُوتَمَغْرِبِيتْ أفضى إلى مواطنة افتراضية جديدة بتمظهرات وتجليات مغايرة لمثيلتها في الحياة المجتمعية”.
هذا الانتقال صارت معه المواطنة “منقسمة بين قيم إيجابية مُمَكِّنَة تنحو منحى ترسيخ ممارسات التضامن والتعايش والانسجام والإسهام في بناء فضاء مواز للتداول المتنوع والمتكامل حول قضايا الشأن العام المغربي، إلى قيم سلبية وسالبة غايتها خلق بيئة هجينة وغرائبية تنتج عنها حالة من الاحتباس والتشنج القيمي يمكن أن يؤدي إلى تقويض ركائز العيش المشترك والرابط الاجتماعي، بل تكاد كذلك أن تكون خطرا على السلم المجتمعي واستمرارية مكونات التعايش”.
ويتابع الباحث: “لا تعدو أن تكون القيم السالبة الصاعدة من الفضاء الافتراضي المغربي سوى انزلاقات ديجيتالية قد تهيمن تداعياتها على مستقبل الأجيال الصاعدة، ليصير المجتمع الافتراضي المغربي مجتمعا يعج بغرائبية هوياتية وقيم وممارسات عمياء تضرب في عمق مقولة المواطنة، وحيث يصبح الريع الديجيتالي هو أسمى مراتب الحظوة المجتمعية”.
جاء هذا في أحدث إصدارات سعيد بنيس، الذي من المرتقب أن يصل المكتبات هذه السنة بعنوان “نْيُوتَمَغْرِبِيتْ: ملاحظات حول المجتمع الافتراضي المغربي”، ويقارب فيه “ما تطرحه التحولات المجتمعية المرتبطة بالطفرة الافتراضية وتطور وسائل الاتصال من أسئلة كثيرة حول قصور البنيات الأساسية للمجتمع عن مواكبة المصفوفة القيمية التي يتفاعل معها الشباب بشكل كبير، بل ويصبح فاعلا فيها.”
ويزيد المصدر الجديد: “كل هذه الأسئلة تمكّن من فهم هذه الوضعية الناتجة عن انتقال من فرد متواصل إلى فرد متصل. كما أن سؤال المواطنة الافتراضية في علاقتها براهنية القيم الديجيتالية أفضت إلى المرور من المجتمع الواقعي إلى المجتمع الافتراضي، من مجتمع تَمَغْرِبِيتْ إلى مجتمع نْيُوتَمَغْرِبِيتْ”.
ويوضّح الباحث أن هذا المرور إلى مجتمع “نيوتَمَغْربيت” قد تم “من خلال التحول من العلة التواصلية إلى العلة الاتصالية ومن البراديغمات إلى الخواريزمات أو بإيجاز من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال”، علما أن هذا الأخير قد “أظهر سطوة الديجيتالي الفردي على الافتراضي الجمعي والرقمي التقني.”
ومن بين ما يسائله الكتاب: كيف يمكن للمصفوفة القيمية التي أفرزها الفضاء الافتراضي أن تؤثر في الممارسات المجتمعية للفرد؟ مما يتطلب جوابُه التمييز بين ما هو افتراضي وما هو رقمي وما هو ديجيتالي؛ فـ”الحديث عن التأثير هو حديث ليس على العالم الافتراضي الذي يقابل عامة العالم الواقعي، وليس كذلك حقلا للعالم الرقمي الذي يحيل على أساليب تقنية لتدبير الحياة العامة المجتمعية، بل مرده أساسا إلى الطبيعة الديجيتالية التي تعتبر الجانب الناعم للرقمي والافتراضي، ولا سيما أن في طياتها يتمكن الفرد من أن يؤثر ويتأثر ومن ثم أن يغير من سلوكاته وممارساته الشخصية، ويبدع قيما جديدة تتماشى وتحاكي مجتمعه الافتراضي.”
لهذا، يتابع المصدر ذاته، “الاستنتاج العام هو أنه مع تراجع محاضن التنشئة التقليدية بل واستقالتها تولدت تنشئة مجتمعية عفوية ومشخصنة تمت عبر جسر الشق الديجيتالي لوسائط التواصل الاجتماعي، ما نتج عنه تسونامي قيم افتراضية متموجة تتماهى وتحاكي وتعاكس وتعارض في نفس الآن القيم الواقعية كأننا أمام عالمين متوازيين وأن الفرد فردان وله هويتان: هوية واقعية وهوية افتراضية.”
وبالتالي، “يمكن ربط التنشئة الديجيتالية بالتحولات القيمية التي أفضت إلى مواطنة جديدة مكنت في الحالة المغربية، من الانتقال من مقولة تَمَغْرِبِيتْ إلى مقولة نْيْوتَمَغْرِبِيتْ، تتخللها بالتوازي قيم سالبة وانزلاقات ديجيتالية تفرض نوعا جديدا من الضبط الديجيتالي في أفق تبيئة الفضاء الافتراضي المغربي.”
ومن مفارقات واقع الفضاء الافتراضي أيضا، أنه عالم “تختلط فيه عدة هوامش منها المتنفس، الحرية، المواطنة، التضامن، التداول، التعبئة، الإدمان، التعويض، العنف، الكراهية، العنصرية، الانعزالية، التفاهة، القذارة، العمى القيمي…”، مما يتطلب “الإلمام بمحددات البيئة الافتراضية من خلال التمييز بين الافتراضي والرقمي والديجيتالي، وتبيان ممارسات الأفراد المتصلين، والمجموعات الافتراضية، و”المؤثرين الافتراضيين”، وهيمنة الخواريزميات، وأفول البراديغمات.”
المصدر: وكالات
