فضلا عن “الاحتقان المستمر في الأوساط التعليمية” منذ نشر النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية في الجريدة الرسمية، المتمثل في إضرابات عن العمل هذا الأسبوع وأخرى معلَنٍ عنها بحلول الأيام الأولى من شهر نونبر المقبل، مازال الجدل مستمراً بخصوص التعويضات المالية نظير تصحيح أوراق الامتحانات الإشهادية أو تلك التي يقترحها الوزير الوصي في حالة الساعات الإضافية، رغم تأكيد رسمي لتوجه وزارته فعليا نحو رفع قيمتها المالية.
في الأيام القليلة الماضية، وتزامناً مع تصاعد الاحتجاج ونبرة غضب الأساتذة التي امتدت إلى الشارع في أكثر من مدينة، تباينت ردود فعل الأساتذة إزاء التعويضات التي صرفتها لهم وزارة التربية الوطنية بين التعبير عن الاستياء من هزالتها والسخرية من قيمتها.
وتطرق بنموسى للموضوع، الخميس الماضي، خلال مروره في الندوة الصحافية الأسبوعية بعد انتهاء مجلس الحكومة، مقراً بأن “تأخر صرف تعويضات تصحيح أوراق الامتحانات أمر غير معقول ولا منطقي”، منتقدا أن “تظل التعويضات منخفضة دون تأطير قانوني خاص بها”، وقال إن “الاشتغال جارٍ مع مصالح وزارة المالية للرفع منها عبر مرسوم خاص سيناقش مع الشركاء الاجتماعيين”.
وكشف المسؤول الحكومي نفسه عمل وزارته على وضع تصور يضمن إقرار تعويضات أيضا على الساعات الإضافية، وقال: “سنجعل تعويضات لمن أراد أن يشتغل ساعات إضافية، فيجب أن يكون لذلك مقابل مادي”، نافيا أن يكون الأمر إجبارياً، “بل هو اختياري”.
العدالة الأجرية
قال محمد خفيفي، نائب الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، إن “المبلغ الذي يتوصل به الأستاذ المصحح هزيل جداً”، معتبرا أن “تأخير أدائه، فضلا عن قيمته، يعدّ إهانة لنساء ورجال التعليم”.
وأضاف خفيفي، في تصريح لهسبريس، أن “التعويضات في تقديرنا النقابي لن تحل المشكل في المنظومة التربوية، كما لن تحل إشكاليات أخرى جوهرية ترتبط أساسا بإقرار عدالة أجرية منصفة”، واصفا الأمر بـ”حلول جزئية لن تسهم في رد الاعتبار المادي والمعنوي إلا برفع عام للرواتب والأرقام الاستدلالية دون تمييز بين الفئات”.
وأورد المسؤول النقابي نفسه أن “المطلب الأساسي الآن هو إعادة النظر بشكل شامل في النظام الأساسي الجديد، على اعتبار أن عدداً من القضايا لم تدخل في صلب نقاش النظام، أو انفردت فيها الوزارة بالقرار رغم رسالتنا إلى الوزير يوميْن قبل مناقشة النص في المجلس الحكومي”. وزاد: “هي رسالة شاملة ومتضمّنة لعدد من النقط التي كانت ستُجنّب المنظومة كلّ هذا الاحتقان”.
“خارج إطار التشاور والتوافق لا يمكن بناء نظام أساسي جديد ولا التوافق بشأن قضايا التعويضات التكميلية وغيرها من ملفات لم تُسْتَشَر فيه النقابات خلال جولات الحوار”، يشدد نائب الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، نافيا أن يكون قد تم التداول بشأنها.
وقال: “ليس لدينا رقم محدد لمبلغ الرفع من قيمة التعويض عن التصحيح بما يتماشى مع قيمة المجهودات المبذولة أثناء عملية التصحيح المتزامنة مع مسؤوليات الحراسة والإشراف، إلا أننا نشدد على أنها يجب أن تكون ملائمة وتحترم مجهود الأستاذ”.
وأجمل القول بأن “عدالة أجرية (زيادة عامة للأجور لمختلف الفئات) تتماشى مع ارتفاع كلفة المعيشة مع زيادة في قيمة تعويضات تكميلية بعينها ولجميع الفئات، هو الحل”، دون الدخول في تفاصيل الأرقام.
“نقاش هامشي”
تتفق أطياف نقابية أخرى من الأكثر تمثيلية في القطاع مع الرأي القائل بأن “اقتراح الرفع من تعويضات تصحيح أوراق الامتحان والساعات الإضافية لن يحلّ المشكل الجوهري، كما لن يُسهم كثيراً في خفض الاحتقان المتصاعد وسط التعليم”.
في هذا الصدد أكد عبد الناصر نعناع، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن “مسألة إقرار مرسوم خاص للتعويضات محمودة، ولكن لم يتطرق إليها النظام الأساسي بل أُدخلَتْ بعض مقتضياتها تعسّفياً دون أخذ ملاحظات النقابات بعين الاعتبار، كما تم تجاهل خلاصات نقاش لجان تقنية مختصة”.
وأفاد نعناع، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “الرفع من قيمة التعويضات التي تحدث عنها الوزير لن يضمن استفادة سوى فئات قليلة ومحدودة، وستظل هزالتها طاغية، لأنها مرهونة بفترات معينة في السنة ولا تهم مجموع أعضاء هيئات التدريس”.
“لو كان الاستماع وعدم خرق منهجية اتفاق 14 يناير لم نكن لنَصِلَ إلى هذا الوضع المحتقن الآن”، يورد المسؤول النقابي، مؤكدا أن ذلك أفضى إلى “نظام أساسي معيب وناقص”، على حد وصفه. وذكّر بأن “أشغال اللجنة العليا للحوار القطاعي خلصت إلى توافقات معينة لمْ نر لها أثراً، وبعضها لا علاقة له بجوهر النقاش الجاري حاليا”.
وسجل النقابي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بوضوح أن “الرفع من قيمة التعويضات المالية لن يؤثر في أجر المدرّس”، مثيرا كون “جوهر النقاش هو الكلفة المالية للنظام الأساسي، كما أن الوزارة حاولت معالجة عدد من القضايا بطريقة غير مكلفة ماليا، وهو ما لا يضمن السلم الاجتماعي ويطوي الملف”.
وخلص عبد الناصر نعناع إلى أن “تدبير بعض الملفات تجاوز في حجمه دائرة الوزير، والدليل هو الاحتقان الحاصل بسبب الانفراد في القرار وتمريره المتسرّع”.
المصدر: وكالات