أثارت زيارة نبيل عمار، وزير الخارجية التونسي، إلى الجزائر، الأربعاء الماضي، مجموعة من التكهنات والتساؤلات حول رهانها وسياقها الذي تزامن مع تصريحات جزائرية “تحذر من انضمام تونس إلى اتفاقيات أبراهام التي تضم المغرب”؛ فقد زعم عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني الجزائرية، بـ”وجود نوايا تطبيعية مرتقبة بين تونس وإسرائيل”، قبل أن يتراجع عن هذه التصريحات إثر بيان للحركة، قالت فيه إن دافع تصريحات زعيمها هو “الإشفاق على الشقيقة العزيزة تونس حتى لا تقع تحت طائلة ابتزاز من بعض الجهات التي لا تريد الخير للأمة العربية والمنطقة المغاربية” وفق تعبير البيان ذاته.
وكانت الرئاسة التونسية قد ذكرت، في بيان لها، أن وزير الخارجية التونسي حل بالعاصمة الجزائرية بصفته “مبعوثا خاصا من الرئيس قيس سعيد وحاملا رسالة إلى الرئيس عبد المجيد تبون”؛ فيما انتقد الدبلوماسي الأسبق إلياس القصيري هذه الزيارة، مشيرا إلى بعض التفسيرات التي فسرت استدعاء قصر المرادية لعمار بـ”تخوف الجزائر من تقارب تونسي محتمل مع كل من المغرب وإسرائيل”، وفق ما أفادت به وسائل إعلام.
المصادر ذاتها نقلت عن القصيري قوله إن “الدبلوماسية التونسية ارتكبت العديد من الأخطاء؛ أبرزها الميل المفرط نحو الجزائر، والعلاقات غير المتكافئة مع هذا الجار”، مشيرا في الوقت ذاته إلى “ضرورة مراجعة تونس لعلاقاتها مع جيرانها المغاربيين بما يتيح لها مساحة أكبر من المناورة للحفاظ على مصالحها وسيادتها”.
وفي وقت لم يتم فيه الكشف عن فحوى الرسالة التي حملها نبيل عمار إلى تبون ولا عن طبيعة المحادثات التي جمعت الطرفين، يرى محللون أن التوجس الجزائري من أي تقارب محتمل مع الدول الموقعة على اتفاقيات أبراهام، خاصة المغرب، يفسر في جزء كبير منه أسباب هذه الزيارة؛ فيما شدد آخرون على أن النظام الجزائري إنما يحاول تقويض أي تطور في العلاقات بين تونس ومحيطها المغاربي، مستغلا في ذلك ملف التطبيع الذي ما فتئ يوظفه لتخويف الداخل والخارج على حد سواء.
موقف حرج وإهانات
وليد كبير، صحافي جزائري معارض، قال إن “هذه الزيارة تأتي في إطار سعي نظام قيس سعيد إلى عدم إغضاب النظام الجزائري على خلفية تقارب هذا الأول مع دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل ترويج العسكر لقرب تطبيع تونس لعلاقاتها مع إسرائيل؛ وهو ما سيضع الجزائر إن حدث، في موقف حرج ذلك أنها تستعمل هذا الملف في صراعها مع المغرب”.
وأضاف كبير أن “الرئيس التونسي الحالي حول تونس إلى ولاية تابعة للجزائر بتماهيه مع الأطروحات الجزائرية في عدد من الملفات الإقليمية”؛ غير أنه أردف قائلا: “قيس سعيد اليوم بدأ يدرك أنه سيخسر أكثر مما سيربح بتحالفه مع النظام الجزائري الذي يجره إلى اتخاذ مواقف تحيد عن سياسة تونس الخارجية، خاصة فيما يخص قضية الصحراء المغربية”.
وتعليقا على كلام الدبلوماسي التونسي السابق إلياس قصري، أفاد الصحافي المعارض بأن “هذا يؤكد وجود أصوات نخبوية داخل تونس لا تريد أن تستمر الإهانات الجزائرية للدولة التونسية والضرب في صورتها الدولية عبر التدخل في شؤونها الداخلية والتدخل في رسم معالم سياستها الخارجية”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “النظام الجزائري متخوف من إعادة مراجعة قيس سعيد لسياسته الخارجية تجاه المغرب”، مضيفا أن “المخططات الجزائرية تتجاوز خلق توتر بين تونس والمغرب، لتشمل خلق توترات وصراعات بين هذا الأخير وجميع الدول في المنطقة عبر شراء عداء هذه الدول للمملكة المغربية”.
إغراءات وخيارات
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في تحليل الصراع وإدارة الأزمات، إن “زيارة وزير الخارجية التونسي إلى الجزائر تندرج في إطار مساعي النظام الجزائري للعب دور الريادة الإقليمية في منطقة تعج بالمخاطر والصراعات التي هي نتيجة طبيعية للعقيدة البومدينية والسياسات العدائية الجزائرية طوال عقود والمهووسة بالهيمنة الإقليمية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ومعاداة دول الجوار”.
وأضاف البراق أن “الجزائر تسعى، بكل الوسائل بما فيها الإغراءات المالية، إلى إعادة تونس إلى حضنها ومنع أي تقارب لها مع المغرب وحلفائه، ومنع أي نزوع للموقف التونسي نحو المزيد من الاستقلالية عن الوصاية الجزائرية، خاصة فيما يخص الملفات الشائكة في المنطقة، بالتلويح في كل مرة إلى ما تسميه خطر التطبيع مع إسرائيل على الأمن المغاربي”.
وحول “المخاوف الجزائرية من انضمام تونس إلى اتفاقات أبراهام”، أوضح المتحدث عينه أن “الأخبار التي تروجها أوساط قريبة من النظام الجزائري في هذا الصدد هي محاولة لجس النبض وكشف نوايا تونس في هذا الملف”، وتابع: “هذا دليل على التخبط الكبير الذي تعيشه الدبلوماسية الجزائرية نتيجة عجزها عن تقدير الموقف السياسي الإقليمي بشكل استباقي وبهدوء استراتيجي بعيدا عن المواقف التصادمية المألوفة لنظام الجزائر”.
وسجل الخبير عينه أن “الجزائر أخلفت وعودها التي قدمتها إلى الرئيس التونسي عن نيتها القيام باستثمارات ضخمة على الأراضي التونسية تفضي إلى تعميق التعاون الاستراتيجية بين البلدين. وأمام استياء تونس، اتجهت للبحث عن شركاء آخرين، على غرار دول الخليج العربي”.
أما بخصوص العلاقات التونسية المغربية، أورد المتحدث ذاته أن “الموقف المغربي إزاء تونس ظل وفيا لقيم التضامن والرغبة الأكيدة في الربط بين جسور الماضي المجيد للشعبين، في وقت يستمر فيه الغموض حول موقف تونس بخصوص القضايا ذات الأولوية بالنسبة للرباط”، مشيرا في هذا الصدد إلى زيارة العاهل المغربي إلى تونس في العام 2014 مباشرة بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت هذه الأخيرة مع ما حملته هذه الزيارة من رمزية سياسة وتاريخية.
وشدد المتحدث لهسبريس على أن “تونس اليوم أمام مفترق طرق تاريخي ومنعرج سياسي خطير سيؤثر على سيادتها كأمة حرة وكدولة عريقة؛ فإما السقوط في معاهدة حماية جزائرية جديدة تتحول بموجبها لإيالة تابعة للجزائر وتخدم مصالح الجنرالات في صراعاتهم مع المحيط الإقليمي، أو الحفاظ على استقلالية قرارها الوطني والسيادي بعدم الانجرار وراء أوهام الهيمنة على مختلف بلدان المغرب الكبير”.
وخلص الخبير الدولي إلى أن “النظام الجزائري بفكره السياسي الحالي لن ينفك من محاولة عرقلة أي تقارب بين الدول المغاربية لا يخدم مصالحه، وتعطيل أي تقارب مغربي تونسي مرتقب خاصة مع دبلوماسية الوضوح والمسؤولية التي ينهجها المغرب والتي ينأى بها عن التدخل في الشؤون الداخلية”، مشددا على أن “الجزائر تدرك تماما أن تعميق العلاقات المغربية التونسية أو تطور علاقات تونس خارج الدوائر الجزائرية ينذر بعزلة جيوسياسية جزائرية في محيط إقليمي متقلب يعج بالمخاطر الأمنية على طول حدود الجزائر مع كل ليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا”.
المصدر: وكالات