رفضت فعاليات أمازيغية الهجمات “السلفية” التي تتعرض لها احتفالات الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية أو “إيض يناير”، على بعد أيام قليلة من احتفال المغاربة بهذا اليوم في الـ14 من الشهر الجاري والذي سيُحتفل به هذه السنة في ظل مستجد جديد مرتبط بإقرار الدولة المغربية به كعطلة رسمية مدفوعة الأجر في خطوة طالما شكلت مطلبا أساسيا للحركة الأمازيغية بالمغرب.
واعتبر نشطاء أن هجمة “التيار السلفي الرجعي”، وفق وصف بعض “إيمازيغين”، لا تعدو أن تكون مجرد محاولات لكبح الدينامية التي يعرفها ورش الأمازيغية في البلاد، مسجلين أن العداء لكل ما هو أمازيغي “ثابت” في تاريخ هذا التيار الذي قالوا عنه إنه “أفلس فكريا” ولم يستطع مواكبة سيرورة التاريخ والمجتمع.
وتعرض استعداد الأمازيغ للاحتفال بـ”إيض يناير” هذه السنة، وعلى غرار باقي السنوات، لهجوم حاد من لدن بعض الوجوه والصفحات السلفية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أفتت بتحريم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية والطقوس المرافقة لذلك، معتبرة أنه “لا عيد في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى”، أما ما دون ذلك فهي “مجرد عادات وفدت إلى المسلمين من المعسكر الكافر”، حسب وصفهم.
هزائم وضحايا إيديولوجيات
قال أحمد عصيد، حقوقي وباحث أمازيغي، إنه “أحيانا، يعتقد الناس بأن العنف اللفظي والتهجم أو التعبير عن الغضب هو سلوك من موقع قوة.. والحقيقة أنه تعبير عن الخوف، الخوف الدفين من التحولات القادمة؛ فالوعي السلفي والإخواني يرد على مختلف التحولات التي تحيط بنا بعنف لفظي أو تهديد أحيانا، لأنه خطاب يخفي وراءه الكثير من الخوف والضعف”.
وأضاف عصيد أن “سبب هذا الخوف هو الهزائم السابقة، والتي هي مقدمات لهزائم لاحقة، حيث هاجم الإسلاميون الأمازيغية منذ سنة 1995 من على منابر الجمعة؛ ولكنهم انهزموا في الحوار الوطني والنقاش العمومي على صفحات الجرائد وفي الندوات الفكرية، ثم صدموا بخطاب أجدير سنة 2001 الذي اعتبر بأن الأمازيغية “مسؤولية وطنية لجميع المغاربة”، و”ملك لهم جميعا بدون استثناء”. وعند الحديث عن تعليم الأمازيغية سنة 2002، تكلموا باحتقار عن حرف تيفيناغ وسخروا منه، ليفاجئوا سنة 2003 بأنه صار الحرف الرسمي لكتابة وتدريس الأمازيغية”.
وزاد: “بل وفوجئوا به يخرج إلى الفضاء العمومي وواجهات المؤسسات، ثم عارضوا إدراج الأمازيغية في الإعلام وقالوا إنها لغة “الشيخات”، ولكن سرعان ما أدرجت في وسائل الإعلام سنة 2006؛ بل صارت لها قناة خاصة سنة 2010. وعندما كنا نناقش الدستور قالوا إنها لغة “بياعين الحمص والزريعة”، وقال هذا رئيس مجلس علمي مصاب بنفس الفيروس الذي أصابهم، فيروس الإخوانية؛ لكن الأمازيغية صارت رسميا لغة الدولة والمؤسسات في دستور 2011”.
ولفت الفاعل الحقوقي الباحث الأمازيغي إلى أنه “عندما حرص أتباعهم في مكاتب الحالة المدنية على منع تسجيل الأسماء الأمازيغية فوجئوا بمذكرة وزارة الداخلية تؤكد أنها “أسماء مغربية” تسجل كغيرها، وأن لوائح إدريس البصري للأسماء العربية المفروضة على الأمازيغ قد ألغيت، وعندما بدأنا نركز على رأس السنة الأمازيغية قالوا بكل سفاهة بأنه “طقوس وثنية” وأنه مجرد اختراع استعماري وليس تقويما، واعتبروا الاحتفاء به عداء للدين، وقد بشرتهم شخصيا آنذاك بأن هذا التقويم العريق سيصبح رسميا عيدا وطنيا ويوم عطلة عما قريب، وقد صار كذلك بعد ثلاثة أشهر في شهر ماي من السنة الماضية”.
وخلص المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن “كل هذه الهزائم جعلتهم يشعرون بالخوف أكثر من أي شعور آخر. ولهذا، نعاملهم بحكمة وروية؛ لأننا نعلم بأنهم ضحايا إيديولوجيات أجنبية تشعرهم بالغربة في بلدهم.. وإذ نتمنى لهم جميعا – سلفيين وإخوانا – سنة أمازيغية جديدة سعيدة 2974، ندعو لهم بالهداية وبالعودة إلى الوطن الذي هو غفور رحيم”.
إفلاس وتجارب تاريخية
قال يوسف بن الشيخ، ناشط أمازيغي، إنه “لا جديد حول هذه الافتراءات التي لا قيمة لها علميا وتاريخيا بالمناسبة، والتي تتجدد كل سنة أمازيغية بل وكلما تعلق الأمر بحدث أو حادث يرتبط بالقضية الأمازيغية بالمغرب وشمال إفريقيا عموما من طرف جماعات السلفيين وفلول الإسلام السياسي الذين يستثمرون في توظيف أساليب التجهيل والتضليل في منصات السوشل ميديا لمحاولة إحياء خطابهم المتخلف الذي تجاوزه الواقع والتاريخ واغترابه الواضح عن المجتمع المغربي والشمال إفريقي”.
وأضاف بن الشيخ أن “هذا التطور السياسي، الذي تجسد في الإقرار الرسمي بهذا المطلب الأمازيغي المشروع الذي طالما ناضلت من أجله الحركة الأمازيغية في المغرب كما في شمال إفريقيا، يختلف عن السنوات إن لم يكن العقود الماضية التي سبقت هذا الإقرار، حيث يعلم الجميع أن الحركة الأمازيغية لا تطالب إلا بالعدالة الشاملة في توزيع الموارد المادية والرمزية على السواء بشكل عادل وبصورة تستجيب لمعطيات التاريخ والواقع الاجتماعي. لذلك، نحن لا نكترث أبدا لردود فعل هذه الجماعات التي لا تؤثر أبدا في المسار النضالي للحركة الأمازيغية الذي يتخذ منحاه رغم الإكراهات ويجني هذه المكتسبات بعد عقود من النضال الفكري والسياسي والفني، رغم ما ينتظرنا من جهود الإرساء المؤسساتي الفعلي لهذه المكتسبات”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “العداء السلفي للبديل الأمازيغي معروف؛ بل العداء لكل خطابات التغيير التي تتضمن مفاهيم حقوق الإنسان والديموقراطية والعدالة الاجتماعية التي تناقض مشروعهم الديني المتطرف وتناهضه”، مشيرا إلى أن “الحركة الثقافية الأمازيغية خاضت معهم داخل الجامعة نقاشات حول هذه المعضلة قبل أن يعلنوا إفلاسهم الفكري حينه؛ وهو ما يمثل تحولا مهما في معركتنا الفكرية معهم. وكل هذا يفسر، ومن خلال ما بلغته الحركة الأمازيغية من تقدم فكري وتطور معرفي، أن هذه الجماعات ومن خلالها هذه الأصوات تبقى مجرد ظواهر تاريخية واجتماعية كان لها أن تكون في هذا السياق كمرحلة سابقة لاندثارها وانقراضها”.
واعتبر الناشط الأمازيغي، في تصريح لهسبريس، أن “التاريخ يزخر بدروس وتجارب عديدة في هذا الصدد. في فرنسا على سبيل المثال قبل عصر التنوير، وفي بريطانيا أيضا قبل الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وغيرها. وقد تمخضت عنهما أنظمة اجتماعية جديدة اختفت فيها الأنظمة الفكرية التي استعصت عن التطور وعجزت عن مواكبة سيرورة التاريخ”.
وخلص إلى أن “هذا العام بالنسبة للحركة الأمازيغية يمثل مرحلة غير مسبوقة، بحكم أنها أول تجربة إحياء لهذه الذكرى بعد الإقرار الرسمي الأخير والتي ستختلف طبعا عن سابقاتها”، مشددا على أنها “تمثل مناسبة كذلك للتداول في أفق النضال الديمقراطي الأمازيغي في ظل كل هذه التطورات، خاصة أن هنالك مطالب أكبر ضمن القضية الأمازيغية تنتظر المزيد من الجهود والنضالات والتي لن تتحقق إن وقفنا كل مرة للجدل مع الدوغمائية السلفية التي تعيش في سياق آخر غير سياقنا التاريخي الحالي”.
المصدر: وكالات