يواصل المغاربة تفاعلهم مع الإجراءات المعلنة بخصوص الحد من الاستهلاك المفرط للماء في عدد من مناحي الحياة، مثل الحمامات ومحلات غسل السيارات التي جرى توقيفها لمدة 3 أيام في الأسبوع، وسط تباين في وجهات النظر حول الموضوع الذي يرهن ضمان تزود المغاربة بهذه المادة الحيوية في الأشهر المقبلة.
وعقب القرارات التي أصدرتها السلطات المحلية في عدد من الأقاليم والمدن تنفيذا لتعليمات وزارة الداخلية في الموضوع، ودخول وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على الخط بتعميم خطبة تدعو إلى الاقتصاد في الماء والاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام فيه، تفاعل مع ذلك نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي وأثاروا عددا من التساؤلات بخصوصه.
ولجأ هؤلاء النشطاء إلى الأقمار الاصطناعية لتسليط الضوء على الأحياء الراقية بمختلف المدن المغربية، التي تبدو مسابحها مملوءة بالمياه الصافية، معبرين عن استيائهم من “التغاضي” عنها واللجوء إلى التضييق على أمور “لا ترقى إلى حجم الاستنزاف والخطر الذي تشكله مسابح الطبقة الراقية”.
وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك، تساءل عن أهمية وجدوى القرارات التي تهم مجالات الاستهلاك والاستعمال المنزلي للماء وانعكاسها على المخزون، معتبرا أن هذا المجال لا يتعدى 9 بالمائة من إجمالي الاستهلاك.
وقال مديح، في حديث مع هسبريس، إن القرارات التي اتخذتها السلطات “مهمة وينبغي الحرص على الالتزام بها وتتبع تطبيقها”، مبرزا أن المسؤولية يعهد بها للإدارات والمسؤولين الذين يتعين عليهم مراقبة “مدى التزام المواطنين والإدارات، وأن يكون الحرص على تنفيذ جميع المقتضيات”.
وسجل مديح أن “الإشكال الذي نواجهه ليس الماء الصالح للشرب، لأن الماء يسير في اتجاه تراجعي منذ 2015، كنا نلاحظ أن الماء يتضاءل والإجراءات المعلنة كان ينبغي اتخاذها منذ سنوات، والاستهلاك المنزلي لا يمثل سوى 9 بالمائة فقط، ولكن الإشكال في القطاع الفلاحي الذي يستهلك 89 بالمائة من الموارد”، ليتساءل بناء عليه: “ما هي الإجراءات التي اتخذت في هذا الباب؟ لأن 40 بالمائة لا يستفيد منها القطاع”، مؤكدا أن “المغاربة ملزمون بتدبير معقلن للموارد المائية”.
وزاد مديح أن “الجامعة الوطنية لحماية المستهلك تعهدت بالمساهمة التوعوية في هذا الإطار، وهذا عمل يجب أن نقوم به”، موردا: “لو اقتصرنا على نصف نسبة الاستهلاك من 9 بالمائة، سنقتصد 4,5 بالمائة وسنوفر سنة من الاستهلاك، لكن السؤال الذي يطرح في باب القطاع الفلاحي، هو هل اتخذنا جميع الإجراءات؟”.
من جهته، قال الخبير في المناخ والماء محمد بنعبو إن الدورية التي أصدرها وزير الداخلية وتستند إليها القرارات العاملية، “كانت واضحة، وتنص على أن المسابح، سواء العمومية أو الخاصة، تملأ مرة واحدة على الأكثر في السنة”.
وأكد بنعبو، في تصريح لهسبريس، ضرورة التفكير في “مسألة تدوير المياه مثل المؤسسات السياحية والفندقية التي نعرف جميعا أنها تحرص بشكل مستمر على أن تكون المياه نظيفة وعذبة، والقرارات لا تهم فئة دون أخرى”، مسجلا أن القطاع المعني باستهلاك الماء هو “القطاع الفلاحي الذي كان يستهلك لوحده 87 بالمائة”.
وبخصوص محلات غسل السيارات والحمامات، قال المتحدث: “ليس لدينا إحصائيات تحدد الكمية التي كنا نستهلكها في غسل السيارات والقطاعات الأخرى”، معتبرا أن تعبئة جميع الإمكانيات التي تملكها السلطات المعنية “تبقى مسألة مهمة بالنسبة للمؤسسات الفندقية التابعة للقطاع السياحي بصفة مباشرة، وممكن أن تحدث لجان خاصة لمراقبة هذا الأمر”.
وشدد بعبو على مسألة “الضمير المهني”، مودا أن “أي مواطن أو مسؤول ينبغي أن يستيقظ فيه الضمير المهني، لأننا نتوفر على إمكانيات مائية جد نادرة، ولا نقول خلق لجان استثنائية لمراقبة استعمال المياه، ولكن في هذه الظروف الاستثنائية ينبغي أن يكون الضمير المهني حيا ويتقيد الجميع بروح التضامن والشفافية والوضوح”.
وحث الخبير في المناخ والماء السلطات المحلية على الصرامة في تنزيل هذه “القرارات العاملية التي تكون ملزمة لجميع المستعملين للمادة الحيوية، خصوصا وأن الظروف المناخية لا تراعي طبقة دون أخرى”، معتبرا أن التخوفات تبقى “مشروعة، وجلالة الملك خلال جلسات العمل حول الماء ركز بشكل كبير على الشفافية في التواصل مع جميع الفئات الاجتماعية”، مبرزا أن التخوف الذي عبر عنه النشطاء “نابع من غياب التواصل الشفاف والوضوح الكافي”.
المصدر: وكالات