أطفأت سنة 2973 (المنقضية) شمعة أخرى من التقويم الفلاحي؛ ولكنها طوت معها صفحة حول “الحلة القديمة” للاحتفال بالسنة الأمازيغية، التي يحتفل بها المغاربة لأول مرة، يوم 14 يناير، كعطلة رسمية مؤدى عنها؛ ففي جل المدن المغربية، شهد الاحتفاء الهوياتي دينامية عالية لم يكن لها مثيل في السابق بالمغرب، وهو ما لفت انتباه الجميع إلى أن “الترسيم لم يكن شيئا عاديا”.
القرار الملكي “التاريخي”، وفق وصف الفعاليات الأمازيغية، الذي أعلنه ديوان العاهل المغربي في ماي الماضي، انتظره المغاربة بفارغ الصبر، لرؤية شمس السنة الأمازيغية الجديدة (2974)، كفرصة لخدمة الهوية الوطنية وتدبير التنوع اللغوي والثقافي؛ ولكن حين احتفل الجميع به بأشكال مختلفة، وجدت فعاليات أمازيغية أن الدينامية “عززت الشعور بالانتماء من جهة، وقلصت من حدة الإحساس بالإقصاء الذي مارسته الدولة على ملف تمازيغت”.
الشعور بالانتماء
يوسف لعرج، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة “أزطا أمازيغ”، قال إن “هذه الدينامية العالية التي شهدتها احتفالات رأس السنة الأمازيغية هذه المرة تبرز أن المجال صار أرحب وأوسع أمام التأهيل المدني لـ”إيض يناير”، وأنه أصبح عمليا ملكا مشتركا لكل المغاربة بمختلف جغرافياتهم و قناعاتهم، كمظهر من تمظهرات الهوية المتعددة الروافد”، مضيفا أن “الخلفية التاريخية أصبحت أقرب الآن من واقع المغاربة بعد ترسيم السنة الأمازيغية، لكون هذه السنة المعروفة بحاكوزا أو تاكلا أو يناير متجذرة في صلب هويتنا”.
وأكد لعرج، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الاحتفال سابقا في الفضاءات العمومية كان يقتصر على الفاعلين الحاملين لمطلب الأمازيغية بالمغرب”، لافتا إلى أن “ترسيمها كـ”عيد وطني” حرر هذه الممارسة من القيود التي كانت تمارس عليها، سواء كانت سياسية أو قانونية أو ثقافية أو مجتمعية. ومن ثمّ، أصبح الكل الآن معنيا للاحتفال بها كما تابعنا، ولو بدون خلفية مطلبية،”، مشددا على أن “هذا التملك من طرف الجميع عزز الحس بالافتخار بالهوية الأمازيغية، وبالانتماء إلى وطن متعدد”.
وأشار المتحدث عينه إلى أن “جماعات ومؤسسات لم تحتفل قط أصبحت اليوم جزءا من هذا الاحتفاء بالهوية خلال يوم له خصوصية عالية لدى ‘إيمازيغن’؛ وهذا شيء لا يمكن إلا أن يكون إيجابيا، في مجتمع يتمتع بتنوع لغوي وثقافي مُدستر”، خالصا إلى أن “التحدي الكبير اليوم هو كيف نعطي لهذه الممارسة معنى على الأرض من خلال ضمان إدماج الأمازيغية في إطار من المساواة وتكافؤ الفرص بين اللغتين الرسميتين.. وهذا يستدعي قدرا عاليا من الجدية في البرامج المسطرة، ويحتاج التزاما سياسيا واضحا”.
“تقلص الشعور بالإقصاء”
الحسين أموزاي، فاعل وباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، اعتبر أن “مأسسة احتفالات “إيض يناير” كعطلة رسمية مؤدى عنها خدمت التعايش والتنوع في إطار الوحدة والهوية الوطنية الجامعية”، لافتا إلى أن “بُعد الترسيم والتعاطي العمومي المختلف هذه السنة جعل المغاربة يشعرون بهذا الموروث الثقافي الذي ينتمي إلى كل مغربي؛ وهو ما يحتم ضرورة تعجيل استفادة المغاربة من التعليم باللغة الأمازيغية في شتى ربوع المملكة، وتعميمها أفقيا وعموديا”.
وأبرز أموزاي، في تصريح لهسبريس، أن “دخول المؤسسات الرسمية على خط الاحتفاء بهذا العيد أعطى ‘حاكوزا’ طعما مختلفا، لأنها كانت سابقا احتفالات تتم على مستوى الأسر ومبادرات المجتمع المدني؛ ولكن اليوم جميع المدن المغربية تقريبا شهدت التفاتات تكرس مسار العمل الأمازيغي والنضال من أجل الحقوق اللغوية والثقافية، التي نص عليها دستور 2011 في الفصل الخامس وعززها القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.
وأجمل المتحدث قائلا: “هذه العناية الشعبية والرسمية العالية التي خص بها الجميع “يناير” هذه السنة تمثل فرصة لكي نقيم مسار تفعيل الأمازيغية وما حققناه في هذا الورش طيلة العقدين الماضيين، ونقوم بجرد كل ما وصلناه على مستوى الإعلام والتعليم وإدماج تمازيغت في الفضاء العام وفي الإدارات العمومية، وأيضا ما الذي ما زال ينقصنا في هذا الملف”، خاتما بأن “الاحتفالات التي تم تسجيلها في مختلف المدن والقرى تخدم قيم “تمغربيت”، وتقلص حجم الشعور بالإقصاء”.
المصدر: وكالات