قال خالد كردودي، الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمراكش، إن “محاكمة الأشخاص المتهمين باقترافهم لجرائم معنية يجب أن تقوم على أساس محاكمة عادلة، كأحد الحقوق الأساسية للمتهم؛ وهي تقوم على توافر مجموعة من الإجراءات التي تتم بها الدعوى في إطار من حماية الحريات الشخصية وغيرها من حقوق الإنسان المتعلقة بها وضمانة أساسية لصون هذه الحقوق، وكل إجراء غير محاط بضمانات المحاكمة القانونية العادلة يكون اعتداء على الشرعية الإجرائية أو المسطرية”.
وأكد كردودي، خلال كلمته بمناسبة تنظيم المحكمة سالفة الذكر الاثنين لندوة حول موضوع “ضمانات المحاكمة العادلة وتحديات الممارسة في ضوء الدستور والعمل القضائي والمواثيق الدولية”، أن “المحاكمة المنصفة هي أن تشكل المحكمة التي تتولى البت في القضية تشكيلا قانونيا، وأن تكون مستقلة لضمان مبدأ الحياد؛ فالحق في محاكمة أمام محكمة مستقلة ومحايدة ونزيهة مؤسسة وفقا للقانون هو أهم خصائص المحاكمة الجنائية العادلة، ومن بين الحقوق أنه لا يجوز متابعة أي شخص بسبب عمل قام به أو امتنع عن القيام به لم يكن ارتكابه محرما جنائيا في وقت الارتكاب”.
وتابع المسؤول القضائي ذاته مستدلا بمادة من القانون الدولي “نصت على أنه “لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة أو العقاب على جريمة سبق أن أدين بها، أو برئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون والإجراءات الجنائية في كل بلد”، وعلى هذا الأساس لا يحق أن تتم محاكمة التمهم على الجريمة نفسها مرتين”، أضاف كردودي.
وحين حديثه عن المحاكمة السريعة، قال: “يقصد بها تلك التي تجري في مدة معقولة خلافا للمحاكمة المتسرعة التي تجري بخلاف الضمانات وحقوق الدفاع. وهذا النوع من المحاكمات يخالف حقوق الإنسان؛ لأن قرارا صدر عن محكمة النقض سنة 2022 تحت عدد 695، في الملف الجنحي عدد”817-5-1-2021، قال: “إن كان الفصل في الدعوى داخل أجل معقول يعد مظهرا من مظاهر تحقيق العدالة. فذلك، لا ينبغي أن يؤدي إلى حرمان أطراف الدعوى من ممارسة حق الدفاع”.
أما عبد الحق سيف الإسلام، رئيس الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بمراكش، فأوضح أن “المشرع المغربي، ونهلا من المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وانسجاما مع روح الدستور، لم يطلق العنان لضباط الشرطة القضائية أو النيابة العامة للعمل به دون أحكام أو شروط تهدف بالأساس إلى فرض رقابة صارمة منذ الساعة الأولى لسلب حرية الشخص”.
وأضاف المتحدث نفسه أن المشرع “أقر صلاحيات واسعة للغرفة الجنحية، ومنح رئيسها سلطات متنوعة تشمل الإشراف والمراقبة. فهذه الغرفة تفصل كهيئة قضائية في طلبات الإفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة، وخولها إصدار تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية، كما تبت في طلبات بطلان إجراءات التحقيق وفي الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق”.
وفي إطار سطات رئيس الغرفة الجنحية في مراقبة غرف التحقيق، خول قانون المسطرة الجنائية رئيس الغرفة الجنحية الإشراف على سير التحقيق الاعدادي، بهدف تعزيز الرقابة القضائية على أعمال التحقيق، للتأكد من حسن سيره على مستوى الدائرة الاستئنافية، ويعمل على الحرص على عدم وجود أي تأخير أي مبرر في هذه الإجراءات. وفي هذا الإطار تقوم مكاتب التحقيق بتوجيه لائحة كل ثلاثة أشهر إلى رئيس الغرفة الجنحية، تتضمن جميع القضايا الرائجة مع الإشارة إلى تاريخ آخر إجراء من إجراءات التحقيق، أورد سيف الإسلام.
وحسب المسؤول القضائي ذاته، فقد أوكل المشرع لرئيس الغرفة الجنحية صلاحية زيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة نفوذه كلما رأى ضرورة ذلك، ومرة على الأقل كل ثلاثة أشهر، يراقب خلالها حالة المتهمين الموجودين في حالة اعتقال احتياطي، ويوجه إلى قضاة التحقيق التوصيات اللازمة، بناء على ملاحظاته خلال زيارة مكاتب التحقيق”.
وعن ضمانات الدستور للمحاكمة العادلة، قدم يوسف البحيري، العميد السابق لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، ملاحظات عديدة؛ منها أن هذه الوثيقة اعتبرت قرينة هي الأصل، وكرس الطابع الاستثنائي للتدابير السالبة للحرية، كما خصص لقرينة البراءة حماية خاصة في البابين الثاني والسابع”، والملاحظة الثانية هي التنصيص بشكل صريح في تصدير الدستور على مبدأ سمو وترجيح كفة الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني، والعمل على الملاءمة مع المعايير الدولية، يسعى من خلاله المشرع إلى تجنب السقوط في التعارض بين ما هو وطني ودولي.
وأوضح البحيري أن مجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة باستقلال القضاء التي صادق عليه المغرب، كاتفاقية الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المبرمة بميلانو في دجنبر 1985، تؤكد أن هذا الاستقلال هو الضامن الأساسي لمبادئ المحاكمة العادلة، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.
وبيّن العميد السابق لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش أن القضاء يفصل في القضايا المعروضة عليه على أساس الوقائع ووفقا للقانون ودون أي تدخل، مباشر أو غير مباشر، ومن أية جهة أو لأي سبب؛ لأن الفصل 107 ينص على أن “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية”، و”الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية”.
المصدر: وكالات