على خلفية القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي الذي تبنّى الخطة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، وتخليدا للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، نظم المجلس الأعلى للسلطة القضائية، السبت، ندوة علمية تحت شعار “دور القضاء في تجسيد الوحدة الوطنية”.
الندوة المنظمة بتعاون مع ولاية جهة العيون-الساقية الحمراء، شكّلت محطة فكرية وقانونية بارزة لاستحضار أبعاد المسيرة الخضراء، واستعراض مسار العدالة المغربية في ترسيخ قيم المواطنة والوحدة، في ظل القيادة الحكيمة للملك محمد السادس، الذي جعل من الأقاليم الجنوبية نموذجا للتنمية والتلاحم الوطني.
وأكدت الكلمة الافتتاحية للندوة، التي أُلقيت باسم الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن تنظيم هذه الندوة يأتي في سياق وطني مفعم بالاعتزاز بمسار الوحدة الترابية، مبرزة أن “الدفاع عن ركائز الدولة ووحدة الأمة لا يقتصر على الميادين السياسية والدبلوماسية، بل يمتد إلى تعزيز دولة المؤسسات وترسيخ العدالة كقيمة دستورية وإنسانية، تُجسّد سيادة القانون وتحمي كرامة المواطن وتعزز الثقة في القضاء”.
وشدد العرض الذي قدمه محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، خلال الجلسات العلمية للندوة على أن “القضاء يشكل أحد أبرز مظاهر السيادة الوطنية للمملكة المغربية”، لافتا إلى أن “القضاة ظلوا عبر التاريخ يمارسون مهامهم في الأقاليم الجنوبية كما في باقي أقاليم المملكة، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري لسنة 1975، حين أقرت بوجود روابط قانونية وروحية بين العرش المغربي وسكان الصحراء، تجسدت في نظام البيعة”.
كما تطرقت المداخلات إلى البعد القانوني للبيعة والسيادة في قرار محكمة العدل الدولية المؤرخ في 16 أكتوبر 1975، وإلى القضاء في المناطق الصحراوية كأحد تجليات السيادة المغربية على الصحراء، إلى جانب الأسس التاريخية والشرعية للسيادة المغربية ومسارات استكمال الوحدة الترابية، والروابط التاريخية بين القضاء في الصحراء وإمارة المؤمنين.

وتوقف المشاركون في الندوة كذلك عند المراحل التاريخية التي طبعت مسار السيادة المغربية، منذ معاهدة وستفاليا سنة 1648 وما تلاها من تحولات، مرورا بمؤتمر برلين سنة 1884 ومحاولات القوى الاستعمارية تقسيم إفريقيا، وصولا إلى رأي محكمة العدل الدولية الذي أكد أن الصحراء لم تكن أرضا خلاء، بل كانت ترتبط بعلاقات ولاء وبيعة مع سلاطين المغرب.
وسلط المتدخلون الضوء على الدينامية الإصلاحية التي شهدها المغرب في ميدان العدالة وحقوق الإنسان، من خلال تجربة العدالة الانتقالية وما رافقها من إصلاحات دستورية ومؤسساتية، مؤكدين أن “هذه الإصلاحات تجسد رؤية ملكية متجددة تروم تكريس الجهوية المتقدمة وبناء دولة الحق والقانون، بما يعزز موقع المغرب كشريك موثوق في الساحة الدولية”.
حضر فعاليات هذه الندوة التي احتضنها قصر المؤتمرات بالعيون، والي جهة العيون الساقية الحمراء عبد السلام بكرات، والرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد عبد النباوي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة هشام بلاوي، ورئيس المحكمة الدستورية، ووسيط المملكة، والأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان آمنة بوعياش، ومديرة الوثائق الملكية بهيجة السيمو، إضافة إلى قضاة وأكاديميين ورؤساء المصالح الخارجية ومنتخبين وفعاليات المجتمع المدني.

وعلى هامش أشغال الندوة، نُظم معرض وثائقي قضائي يضم نسخا نادرة من الرسوم العدلية والوثائق القضائية والكتب الفقهية التي تؤرخ لحضور القضاء المغربي في الصحراء منذ قرون، والتي يحتفظ بها متحف الذاكرة القضائية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في مبادرة تروم إبراز الجذور التاريخية للسيادة القضائية المغربية وتوثيقها للأجيال القادمة.
وشكلت الندوة، في ختام أشغالها، مناسبة لتجديد التأكيد على أن القضاء المغربي يظل دعامة أساسية في حماية الوحدة الترابية وصون مكتسبات الدولة الحديثة، من خلال ترسيخ العدالة كمرجعية للتماسك الوطني، وتأكيد التلاحم القائم بين العرش والشعب، الذي كان وسيظل عنوانا للوحدة والسيادة والاستقرار.
وفي مبادرة رمزية استحضرت واحدة من أبرز اللحظات التاريخية في مسار الوحدة الترابية للمملكة، قام المشاركون بزيارة ميدانية إلى جماعة الطاح بإقليم طرفاية حيث حلّوا بالموقع الذي صلى فيه الملك الراحل الحسن الثاني خلال زيارته التاريخية إلى المنطقة، وتم بهذه المناسبة تحديد موقع النصب التذكاري للمسيرة الخضراء تخليدا لتلك اللحظة الوطنية الخالدة.
المصدر: وكالات
