استوفت نجاة كمال تكوينها في الهندسة الكيماوية بالمغرب، وسط المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط تحديدا؛ لكن خبرتها جرى صقلها بدراسة أكاديمية إضافية على مستوى جامعة لافال في كبيك بكندا، ثم اكتسبت زخما بالتجربة الميدانية عن طريق الممارسة على أعلى المستويات الصناعية مع متدخلين شتى في أمريكا الشمالية.
تعلن المنتمية إلى صف الجالية المغربية أن هجرتها تأسست على طموحات واضحة منذ البداية، ترتبط بأهداف بارزة على الأصعدة الشخصية والعلمية والمهنية؛ لذلك لم تزغ عن المسار الذي رسم لها إلا من أجل استثمار الفرص التي تخدم هذه التوجهات دون غيرها. كما تؤكد أن ما دفعها إلى التوجه نحو كندا يجعلها، حاليا، غير مترددة في وضع خبرتها رهن إشارة الجهود التي بمقدورها أن تنفع الوطن الأم.
في أحضان بني هلال
تنحدر نجاة كمال من أرض دكالة، على بُعد عشرات الكيلومترات من الجديدة، وبالضبط من المنطقة المشتهرة بتسمية بني هلال، على مقربة من مدينة سيدي بنور. وبالانتماء إلى هذا الحيز الجغرافي من المغرب تفاخر، معتبرة أن نشأتها القروية قد جعلتها تتشبع بروح التحدي وأن انطلاقتها الموسومة بالبساطة قد دفعتها إلى البقاء راغبة في التطور كلما توالت السنوات.
وتقول نجاة: “مرحلة الطفولة قضيتها جميلة في كنف أسرة بسيطة، فيها قدر وافر من الحب، وكمية مفيدة من العناية. أما التعرف على الحياة التعليمية فقد أتيح لي من خلال مجموعة مدارس بني هلال، على أيادي أساتذة أفاضل لهم كل التقدير على الجهود التي قاموا بها”.
كما تذكر كمال أن التحاقها بالتعليم الثانوي قد تم بمعية أول دفعة معربة وطنيا، وكان ذلك بالولوج إلى الثانوية التقنية الرازي في الجديدة، حيث كان التحدي يقتضي التعامل بالعربية مع محتويات دراسية أصلية بالفرنسية. وتضيف ضاحكة: ‘’ساهمت مع أساتذتي بجد، حينها، في محاولات لترجمة الدروس كي يفهم التلاميذ التمارين والحلول، وكانت تلك صعوبة إضافية في تلك الفترة”.
التخصص في الهندسة
حصلت نجاة كمال على باكالوريا تقنية في الكيمياء الصناعية، ثم انتقلت إلى المدرسة العليا للتكنولوجيا في مدينة الدار البيضاء للحصول على دبلوم التقني العالي في الهندسة الكيميائية، ومنها توجهت صوب مدينة الجديدة لنيل إجازة تطبيقية قبل الالتحاق، خلال المرحلة الموالية، بالمدرسة المحمدية للمهندسين.
وتورد في هذا الإطار: “اخترت التكوين في المدرسة المحمدية للمهندسين من أجل التحصيل العلمي ضمن الهندسة الكيميائية التي يسميها البعض هندسة الصناعات التحويلية.. وعلى الرغم من الحصول على منحة لاستكمال الدراسة في كندا، لأنني جئت الأولى على دفعتي؛ فإنني اخترت البقاء في المغرب وإطلاق مساري المهني ببلدي”.
التزمت كمال بالعمل مهندسة بلدية في مدينة الجديدة؛ لكن هذه التجربة لم تستمر طويلا على الرغم من الطموحات المهنية الكبيرة التي كانت مرتبطة بها في ذاك الأوان، إذ أقبلت نجاة على العودة إلى صفوف التعليم العالي خارج المغرب وهي في الفترة الأولى من التأسيس لنواة أسرية خاصة بها، وبالتالي جاء الرحيل إلى الديار الكندية.
نحو آفاق أوسع
تتحفظ نجاة كمال في سرد كافة التفاصيل المرتبطة بـ’’طفرة الهجرة’‘، مكتفية بالقول: “وجدت نفسي في موقف لم أستسغه إطلاقا، يتنافى مع المبادئ التي أومن بها؛ لذلك كان عليّ أن أختار الرحيل بدل خيانة المسؤولية الموضوعة على عاتقي في الإدارة، وبالتالي ملأت طلب الهجرة إلى كندا مع زوجي وابنتي”.
تأكدت خريجة المدرسة المحمدية للمهندسين من إمكانية الحصول على منحة التفوق الدراسي التي عرضت عليها سابقا، وبعد توصلها برد إيجابي قامت باستيفاء المسطرة اللازمة للانتقال نحو جامعة لافال للحصول على شهادة الدكتوراه، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة التأقلم مع متطلبات الاستقرار في أمريكا الشمالية.
وتقول كمال: ‘’لم أجد مشاكل عويصة في كندا، تكيفت مع التقلبات الجوية مثلما تأقلمت مع خصوصيات التكوين الأكاديمي وما تستلزمه من مثابرة، وحاولت التوفيق بين البحث العلمي والعناية بأسرتي؛ لذلك، أعتبر أنني تحليت بما يكفي من الصبر كي أسير في حياتي الجديدة نحو تحقيق الأهداف البديلة التي رسمتها خارج الوطن الأم، وبالتالي توجهت نحو آفاق أوسع”.
التطورات المهنية
عملت نجاة كمال مكلفة بالدروس في التعليم العالي حتى الحصول على دكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة لافال متخصصة في معالجة المياه، ثم حرصت على التطور مهنيا بعبور مراحل عديدة؛ وقد جاءت البداية من الاشتغال وفق مقتضيات عقود محدودة المدة الزمنية بصفة باحثة في مركز للدراسات.
وفي التجربة الموالية، حظيت ذات الأصل المغربي بفرصة التعاقد مع مقاولة ناشئة من أجل تولي مسؤولية باحثة مكلفة بالتطوير التكنولوجي، ثم جاء وقت الانتقال نحو العمل لحسابها الشخصي بتقديم استشارات تهم المشاريع البيئة ومعايير الجودة لعدد من المجالس البلدية والمنشآت الصناعية، متعاملة مع فاعلين في قطاعات متباينة؛ من بينها التعدين.
تقول نجاة كمال إنها تتولى حاليا مسؤولية تدبير الأنظمة البيئية والتطوير المتواصل والتأكد من معايير الجودة في ‘’نيكسونس كندا’’؛ ويتعلق الأمر بشركة كبيرة تتوفر أيضا على اشتغالين في المحولات والأسلاك الكهربائية بالمغرب، من خلال موقعين اثنين بكل من الدار البيضاء والمحمدية.
وتضيف: ‘’نوفر منتجات معدنية نحاسية في كندا، وأرتبط بمهام تبتغي، على سبيل المثال لا الحصر، تقليل الكلفة وتجويد المساطر وتقليص الكلفة الإنتاجية مع التقليل من النفايات، إضافة إلى التيقن من الالتزام بالقوانين والقرارات الإدارية الجاري بها العمل”.
استحضار المغرب
لا تخفي نجاة كمال رغبتها في مواصلة التطور في ‘’نيكسونس كندا’’، سواء ضمن المسؤوليات الموكولة إليها في الفترة الحالية أو ضمن منصب آخر للمسؤولية يتماشى مع خبرتها في الهندسة الصناعية، معتبرة أن طموحات عديدة لا تزال تشغل بالها على الرغم من أنها تخطت 20 سنة من البحث عن الذات على التراب الكندي.
وتزيد المنحدرة من بني هلال في هذا السياق: ‘’لدي رغبة في العمل ضمن مشروع يرتبط بالمغرب.. ولا ألجأ إلى المحاباة حين أقول إن رؤية الملك محمد السادس جيدة على المستوى البيئي، خصوصا الرهانات الموضوعة على الطاقات المتجددة والتحديات المتعلقة بتقليص الانبعاثات وتطويق الكربون؛ لذلك أبقى منفتحة على أية فرصة قد تتعلق بمشاريع مماثلة في وطني الأم”.
كما تذكر كمال بمساهمتها سابقا في مشروع يمكن 11 قرية مغربية من التزود بالمياه، عبر المشاركة في صياغة بروتوكول خاص بذلك مع الفريق المشرف على هذه المبادرة، وتقول: “حالت التزاماتي المهنية دون الحضور بقوة في العمل الجمعوي والمبادرات التطوعية؛ لكنني أبقى مواكبة لكل ما يرتبط بالمغرب.. ولدي رغبة في المساهمة ضمن هذه الجهود شريطة تفعيل المشاريع وعدم الاقتصار على صياغة مخططات لها تلازم الرفوف عند الإدارة”.
نتائج بتزيين الأعمال
ترى نجاة كمال أن اللجوء إلى الهجرة ينبغي أن يتم في لحظة صفاء ذهني؛ لأن ذلك يعني التخلي عن المكانة التي بلغها المرء في الماضي، والتحرك في الوقت الحالي من أجل بلوغ مكانة بديلة في المستقبل، أي أن ذلك يحتاج تعبير المرء، بوضوح، عن الاقتناع التام بضرورة البحث عن انطلاقة جديدة.
وتوصي الخبيرة في الهندسة الكيميائية المقبلين على الهجرة، سواء نحو كندا أو غيرها من بلدان العالم، بوضع أهداف محددة أمام عيونهم، وإقناع ذواتهم بأن الصبر إلى أقصى حد هو الحل الوحيد حتى لا يستسلموا عند ملاقاة العقبات، معتبرة أن الاستعداد النفسي يخفف الحدة التي يمكن أن تتسم بها بقية الأشواط المستقبلية.
“المجتمعات المضيفة تفضل أن تعمل على تشجيع الناس المتسمين بالجدية، كما ترحب أكثر بالاستقرار الدائم لأولئك القادرين على تزيين الأعمال المنجزة بقدر وفير من الدقة والصدق؛ وهذا ليس أمرا صعبا على من يهاجرون وبين أيديهم أحلام يريدون تحقيقها بعيدا عن بيئتهم الأصلية’’، تختم المنتمية إلى صف الجالية المغربية والمنحدرة من أرض دكالة.
المصدر: وكالات