في 71 مجلدا، قدمّت “الرابطة المحمدية للعلماء”، اليوم الجمعة بمقرها في الرباط، الشرح الموسوعي على “مختصر الشيخ خليل” في الفقه المالكي، للفقيه ابن رحال المعداني التدلاوي، الذي عاش في عهد السلطان مولاي إسماعيل، بعد عمل في التحقيق والتخريج، جمع أكثر من 40 محقّقا ومحقّقة، ودام أزيد من عقد.
و”فَتْحُ الفَتّاحِ على مختصر الشيخ خليل”، أكبر كتاب ألّف في المذهب المالكي في تاريخ الإسلام، وهو، وفق رابطة العلماء، “خزانة موسوعية في توثيق الأعراف والعوائد التي تنبني عليها الأحكام الشرعية، وما اعتراها من أحوال وتغيرات، ترتب عليها تغير الفتاوى والأقضية”، ويتضمن “مسحا شاملا” لمصادر المذهب، واقتصر فيه مؤلفه على “أبواب المعاملات” دون “أبواب العبادات”، و”شرح مسائله موردا ما اتصل بها من فتاوى النوازل، وأجوبة مسائل الأحكام، واجتهادات قضائية، وما جرى به العمل عند القضاة والموثّقين والنوازليين عبر الأزمنة والبلدان، خاصة بالمغرب والأندلس.”
وبمبنى الرابطة المحمدية، شدد المتحدثون على أن “فتح الفتّاح” عمل “سابق لزمانه”، فـ”نحن الآن أحوج إليه”.
أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، وصف هذا العمل بـ”النعمة”، و”السِّفر النفيس النافع”، وقال: “إنه حقيبة عُدة في هذا الزمان الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى هذا الرُّشد”، الذي يهدي إليه الإسلام.
وأبرز عبادي أهمية هذا العمل في “لحظة التحقيق، التي هي لحظة الداعشيات، والادعاءات من طرائق وجوانب أخرى، ولحظة تغول بعض من لا يمتلكون الأسس ولا المستندات ولا الأسانيد المسلسلة، لكي يدّعو مثل هذه الادعاءات”.
وتوجّه الأمين العام لرابطة العلماء المغاربة إلى المحققين والمحققات بالقاعة قائلا: “هؤلاء أهل العلم، لمن يقولون إن الأمة خلت، ولم يعد علماء في هذا البلد وسائر بلاد هذه الأمة الغراء، التي هي مثل الغيث الذي لا يدرى أوله خير أم آخره”.
وتابع أحمد عبادي بأنه خلال تحقيق هذا السِّفر، “غيّر جزء من المحقّقين النظارات، ومنهم من قاسى وعانى في بصره لتحقيق هذا العمل، نظرا لخطه الدقيق، ومنهم من كابد معاناة في النوم”، لكنهم جابهوا ذلك بـ”صبر متنوع؛ فصبرتم، وبيّنتم أن هذه الأمة ولود، وقادرة على أن تسجل بحروف نورانية أنها قائمة بالقسطِ وبحقِّ هذا الميراث العظيم، وبأن الخير ماض في الأمة لا ينقطع”.
وذكر المتحدث أن هذا العمل قد خرج أوّل مرّة في وقت كان فيه تسلطٌ على الناس بالروحانيات والأُذون، وسعيٌ للإمامة الباطنية، فـ”كان الكتاب رحمة من الله عز وجل، قطع دابر الامتداد والانتشار في الخلافات، وعادت الفتن إلى جحورها، وكل الادعاءات صارت غير ذات بال”، وفيه لِيومِ الناس هذا “دحض للادعاءات، ورد للحجج التي يريد البعض الاحتجاج بها لذلك المشرب أو ذاك”.
مدير العمل، محمد العلمي، رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي الأستاذ بكلية الحقوق بسلا، ذكر أنه بعدما اطلع على نسخته النهائية الصادرة عن دار ابن حزم بلبنان، قال: “هذا عمل يحق أن يفخر به المغرب”.
ثم أردف قائلا: “كأن العلماء أحسوا أن شيئا ثقافيا سيتغير فأعدوا العدة لزمن سيأتي، ونحتاج {فتح الفتاح} الآن أكثر مما كنا نحتاجه في زمانه”، وواصل بأن الأمرين العظيمين في “فتح الفتاح”، هما أن “ما جرى به العمل كثير والعرف كذلك، وهذا مهم في الإفتاء والقانون؛ فالتحول السلس يُظهره ما جرى به العمل، والعُرف يظهر عدم التصادم بين المنظومة التشريعية والمجتمعية”.
كما أكبر المتحدث في ابن رحال كون “الظروف المعتمة التي ظهر فيها الكتاب، لا تجد أثرها فيه، فقد كان فيه شيء عازل بين المُتَغيِّر والكتاب، وفي هذا إشارة إلى أن علماء الشريعة يحمون الوعي لكي لا يجروا الناس إلى مشاكلهم الشخصية والآنية”.
وشكر العلمي محمّدا عبادي لأنه “في 12 سنة، كان يزيل جميع العقبات، ويوفر جميع أسباب النجاح”، وقال: “أشكر إخوتي الباحثين المحققين، فمعا اجتزنا حوالي عشر سنوات من العمل (…) ونحن مسرورون بالنجاح في إعطاء نموذج راق للعمل الجماعي”.
ومن بين من شكرهم المشرف على التحقيق، “محمد السرار وعبد اللطيف الجيلاني، فقد كانا في خلفية العمل، يراقبان كل مجلد، ويصونان الجانب العلمي، ليخرج في شروطه الجامعية، بتحكيم حقيقي. وصبر المحققون على التحكيم، ومنهم من أعاد العمل مرة ومرتين”، قبل أن يزيد: “أشكر شكرا خاصا شخصا كان معي ويكافح معي في جميع الظروف، زوجتي أم أيمن آيت سعيد، فاثنتا عشر سنة كانت على حساب حقوقها، وكانت تنوب عني في كل أمور الحياة، أشكرها شكرا جزيلا على نبلها وصبرها، كما أشكر مجموعة العمل في المركز، وأخص بالذكر الفقيه عبد القادر الزكاري”.
محمد السرار، رئيس مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث والسيرة، وصف “فتح الفتاح” من جهته بـ”الكتاب العظيم”، مدخلا إياه في باب “النبوغ المغربي”؛ فهو “نهضة علمية متميزة في هذا الظل الوارف للدولة العلوية الشريفة في الربوع المغربية”.
كما سجل أن “إخراج الكتاب إلى الوجود بهذا الشكل من التحقيق والتعليق والعناية بالضبط، عمل استثنائي كبير، وعمل فريد، باشرته الرابطة المحمدية للعلماء”، ولو أنه كان يُظَنُّ من قبل “أن إخراجه ضرب من الأماني الخادعة، أو حلم في الكرى، نظرا لحجمه وخطه”.
واعتبر “فتح الفتاح” “مدرسة فتحتها الرابطة المحمدية للعلماء لجميع الباحثين؛ شقها الأول شق المادة العلمية الفقهية المحررة، والشق الثاني شق المنهجية التي اتخذها الإمام ابن رحال في إنجاز هذا العمل، بصرامة علمية ودقة أكاديمية تفاجئ القارئ”، مع اعتماده على “الأصول الصحاح أثناء النقل، أو ما يسمى اليوم المراجع المعتمدة”، مما يظهر “العقلية المنهجية الكبيرة التي تميز بها صاحبه”.
المصدر: وكالات