تناول الناقد السينمائي محمد بنعزيز مجموعة من الجوانب المرتبطة بفيلم “باربي 2023” لمخرجته غريتا غيروينغ، مشيرا إلى أن “مقاربة باربي اجتماعيا يجعلها جد مؤثرة في تمثلات البنات لواقعهن ومستقبلهن”.
وحاول بنعزيز، في مقال له، إبراز كيف استخدمت المخرجةُ التناص بإفراط مع أفلام شهيرة، ثم عادت إلى البساطة التي تجلب الجمهور الواسع، مع اعتمادها على سينوغرافيا أحادية اللون”، مؤكدا أن “قوة الفيلم تكمن في موضوعه، لا في أسلوبه”.
هذا نص المقال:
باربي هي أيقونة إيديولوجيا الجسد. دمية جميلة رشيقة مثالية لم تشخ بعد 64 سنة من خروجها إلى العالم… باربي التي تستطيع فعل كل شيء (فيلم باربي 2023 إخراج غريتا غيروينغ، وهي أول مخرجة تحقق أكثر من مليار دولار مداخيل في أسبوعين). يأتيها الطعام بسلاسة. كان سقراط هو نجم العصور القديمة بكلامه، وصارت باربي هي نجمة العصر الحديث بجسدها الرشيق وشعرها الأشقر وعينيها الزرقاوين حتى أن الروائية الأمريكية توني موريسن حلُمتْ وكتبتْ “أكثر العيون زرقة”. باربي المثالية هي مصدر إلهام تقلده البنات، وهذا ليس سهلا. تريد النساء أن تكن جميلات محبوبات للتنافس مع باربي. النتيجة صارت البنت لا تثق في نفسها إلا بعد وضع قنطار ماكياج… ولكي تطابق البنت باربي يجب ألا تحبل حبا في رشاقتها، ويجب ألا تتزوج حبا في حريتها، لذا تؤجل الرواج إلى أن يمر القطار.
إذن، فمقاربة باربي اجتماعيا يجعلها جد مؤثرة في تمثلات البنات لواقعهن ومستقبلهن.
إن فيلم عالم باربي عبارة عن كوميديا غنائية تعرض حياة وردية ورائعة في علبة بلاستيكية فانتاستيكية تقرر البطلة مغادرتها لتكتشف الواقع..
نتيجة الدرس الأول
كيف تنظر النساء إلى المرأة ذات القدم المفلطحة كسمك موسى والتي لا تشبه قدم باربي؟
قدمت المخرجة الجواب بالصور لتثبت موهبتها.
اذهبوا لتشاهدوا ذلك، لن تقوله الكلمات.
هناك ستكتشفون الجواب وستكتشفون كيف استخدمت المخرجةُ التناص بإفراط مع أفلام شهيرة للتأكيد على أنها سينيفيلية. بدأت بمشهد البنات يحطمن دماهن بمجرد ظهور باربي منتصبة كمسلة فرعونية، وهذا يحيل على مشهد القردة تحطم العظام حول المسلة وتكتشف سلاحا في فيلم “أوديسة الفضاء 2001” 1968 لستانلي كربريك.
هناك تناص أيضا حين تقفز باربي، فتنفتح التنورة كما في لقطة مارلين مونرو فوق نفق القطار (سبع سنوات من التلهف. 1955، إخراج بيلي وايدلر). حذاء وحيد فوق الرمل ينتظر الأمير الذي سيلتقطه ليلبسه لساندريلا في أفلام كثيرة. والأهم هو لقطة من فيلم كوبولا “العراب” 1972 وهو الوصي الذي يقدس الرجولة. تفضل باربي ونصيراتها النسويات رجالا يلبسون الوردي ولا يمارسون الوصاية. للسخرية من العراب (أداء مارلين برادنو) طلبت المخرجة من رايان غوسلينغ أن يقدم أداء بهلونيا طمس مواهبه التي ظهرت في أفلام سابقة له.
بعد هذا الاستعراض السينفيلي، عادت المخرجة إلى البساطة التي تجلب الجمهور الواسع؛ وهذا ما يفسر أن مداخيل فيلم باربي هي ضعف مداخيل فيلم نولان “أوبنهايمر” 2023. الأرقام لا تكذب، وستجبر السينفيليين على مراجعة معاييرهم.
اعتمدت مخرجة باربي على سينوغرافيا أحادية اللون… عالم أحادي اللون والاتجاه جلب الكثير من البنات هنا في قاعة سينما على كورنيش الدار البيضاء. معدل عمر الجمهور ست عشر سنة، ربع الجمهور بنات حالمات في سن الرابعة عشرة.
لا تولد كل البنات بعيون زرقاء. لذا، تبيع لهن الشركات عدسات ملونة. تعيش الشابات مشاعر متناقضة تجاه باربي. يُعجبن بشكلها ويَحْضُننها في الصغر، وحين يكتشفن بعد سن الرابعة عشرة أنهن لا يشبهنها يكرهنا… يتمنين إدخال تعديل على عيونهن، وهذا ما روته كاتبة لا تشبه باربي لكن تتجاوزها (توني موريسون، أكثر العيون زرقة، ص 236- 237). الألوان أقوى من الكلمات.
جمع الفيلم بين بهجة الشكل وعمق الموضوع. تكمن قوة الفيلم في موضوعه لا في أسلوبه. على صعيد الموضوع، تحلم كل باربي أن يتزوجها ربان طائرة… وهذا حلم شائع لدى البنات. تتعرف الطفلات المغربيات على دمية باربي منذ الصغر؛ لأنها تباع باربي في كل محلات الألعاب في العالم، وهي تشكل تمثلاتهن عن العالم. ومن هنا، ينبع العمق الاجتماعي لفيلم له صدى كبير في المجتمع والسوق والفن.
تخرج باربي من العلبة البلاستيكية الفانتاستيكية. تشتبك مع أسئلة اللحظة التاريخية التي تحاول فيها الحركة النسوية تحقيق مكاسب على الأرض، بعد أن حققت ثورة في مواقع التواصل الاجتماعي. تتحقق قفزة من عالم المثل إلى الواقع، ولهذا تبعات فرضت على المخرجة استخدام الكثير من الشرح في النصف الثاني من الفيلم لكي نفهم ما تريده باربي.
تريد باربي أن تكون حقيقية، أن تكون لها شخصية وليس مجرد دمية كليشيه تابع لوصي.. تحلم بحب حقيقي، لذلك تغادر العالم المثالي الذي يأتي إليها فيه الطعام. طعامها افتراضي. في الواقع الطعام ليس افتراضيا. الطعام نقطة ضعف الحركة النسوية في مجتمعات يدفع الرجال فيه ثمن الطعام. كتب ماركس “إن تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام”. من هنا، جاءت وصاية الرجال.
لتصفية الحساب مع هذا الوضع، يظهر كين بقبعة راعي بقر بهلوان. نادرات هن النساء في أفلام الويستيرن؛ لكن راعي البقر كين يضع ثوبا ورديا حول عنقه. في الأداء سخرية من فرو العراب وتشجيع على نقد الرجولة والركوب عليها كما في الأفيش (لذلك، منع الفيلم في الكويت والجزائر ولبنان…). سخرية من عراب أهبل غير طبيعة الصراع بين الصين وأمريكا. فبينما يكاد ينفجر قتال بين صيني وأمريكي… تم تحويل التنافس ليصير مسابقة في الرقص.
هذا أقل دموية.
تجاريا، تُنتج الدمية البلاستيكية الفانتاستيكية من شركة يديرها الرجال وتتاجر بأحلام النساء وتدجنهن ليتلاءمن مع ذوق الرجال. نجح المشروع، تريد كل بنت اليوم أن تصير باربي. إن باربي هي المرأة المثالية بالنسبة للرجال. لذا، تقاتل النساء لتصبحن مثلها حتى لو كنّ نسويات. نزلت باربي إلى الحياة اليومية…. فصدمت من شروط حياة النساء الفعلية. لم تكن هناك امرأة في الشركة المنتجة للدمية.
فنيا، فيلم باربي أحادي اللون جدلي الموضوع، تغادر البطلة النسوية علبتها البلاستيكية المثالية نحو الواقع في أقوى لحظات الحركة النسوية. في زمن كثر فيه الرجال الذين يلبسون الوردي دون خجل. لن يقبل العرّاب (الرجل الباتريارك Patriarche) هذا، بالنسبة له فباربي التي لا تعجن ولا تطبخ لا تلائمه. في النسق الديني للعراب “النفقة مقابل الطاعة”، تتجاهل النسويات هذه القاعدة؛ مما يسبب لهن خللا إيديولوجيا يتجاهل الاقتصاد. تطالب النسويات بالمساواة في البرلمان وبالمَهر والنفقة وتعويض المتعة في المحاكم.
تمشي باربي في الشارع وتكتشف الواقع… تدفع خطاب الحركة النسوية نحو حدودها حين ستكتشف الواقع الاقتصادي. في مجتمع مثل المجتمع المغربي الذي تملك فيه النساء خمسة في المائة من الثروة ستبقى باربي تابعة. الفيزياء الاجتماعية غاية في الصلابة.
المصدر: وكالات