قال سعيد ناشيد، الباحث المغربي المتخصص في الفكر والفلسفة، إن التحركات المنضوية ضمن “نداء الخطوة الحرّة”، الذي أطلقه قبل سنة رفقة الأديبة وفاء مليح، “عرفت توقّفاً مؤقتاً دام ما يقارب 6 أشهر، بغية تدارس إمكانات الارتقاء بهذه المبادرة حتى لا تبقى مجرد بيانات تصدر بين الفينة والأخرى وتثير بعض النقاش من دون أن تُراكِم شيئاً”، معتبرا أن “السؤال الجوهري هو: كيف نحقق تجميعاً مقبولاً يتصف بالقوة؟”.
وأورد ناشيد، في حديث إلى هسبريس استقت منه أفقَ المبادرة بعد أزيد من سنة على إطلاقها والأثر الذي حققته، أن “التحدي والرهان أصبحا كبيرين”، وزاد موضحاً: “المغرب مقبل على التزامات واستحقاقات، سواء كانت انتخابية أو رياضية أو متعلقة باحتضان أنشطة كبرى. ولدينا سؤال كبير حول الجامعات: ما موقعها؟ وما دورها في النهوض بالبحث العلمي؟ فنحن نعيش أزمة حقيقية في هذا السياق”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن “البيئة الجامعية التي يُفترض أن يتم التعاون معها في إطار ‘نداء الخطوة الحرة’ تواجه بدورها أسئلة ينبغي أن تجيب عنها”، معتبراً أن “التراكم المنشود لا يمكن أن يتحقق بمجرد بيانات تصدر بين الحين والآخر وتنتهي بإثارة نقاش عابر”، وتابع: “لا بد من لقاءات حقيقية على أرض الواقع؛ من مجالس فكرية وثقافية مواطِنة تُناقَش فيها القضايا الكبرى بشكل عميق؛ فمن دون نقاش عمومي حقيقي لا يمكننا أن نطمح إلى الارتقاء بمستوى الذكاء العمومي، الذي ظل هدفاً محورياً لمبادرتنا”.
وذكر صاحب “التداوي بالفلسفة” أنه “في كل المجتمعات المتقدمة والديمقراطيات العريقة يوجد كمّ هائل من النقاش العمومي الذي يشمل مختلف المجالات”، مبرزاً أن “المغرب يفتقد اليوم هذا النوع من النقاش، فلا نستطيع مناقشة الكثير من القضايا التي تُركت لدوائر قانونية أو تعليمية أو إعلامية، لكنها تفتقر إلى إطار ثقافي عام وإلى رأي عام نشط”، وأردف: “في المجتمعات ذات المؤسسات الديمقراطية الراسخة يكون المفكرون والفلاسفة أول من يفتتح النقاش العمومي”.
ويعوّل الباحث على “نداء الخطوة الحرة” مستقبلاً ليكون فاعلاً محورياً في النقاش الثقافي، مورداً: “عندما يطرح بلد ما قضية للنقاش العام تكون الأولوية للمثقفين والفلاسفة الذين تتم استضافتهم في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية لتأطير النقاش”، وزاد: “حين ينحط مستوى النقاش العمومي لا ينحدر فقط إلى مستوى فئات معينة، بل تُستثار غرائز بدائية، ويوجَّه نحو التجييش وغيره”.
وشدد الكاتب ذاته على أن “هذه الحالة من التجييش خطرة على كل دول العالم”، مضيفا أن “مساهمة المبادرة تراهن على النهوض بمستوى الذكاء العمومي عبر تأطير النقاش العمومي الحقيقي، وتقديم نموذج للمواطنين في كيفية طرح القضايا الحقيقية، لا الزائفة والوهمية التي لا تنتج في النهاية إلا مشاعر سلبية وتهييجاً سياسياً أو انتخابياً ضيقاً”.
وأفاد الباحث ذاته بأن “الهدف الأساسي هو الإسهام في ملء نوع من الفراغ الذي نعيشه في الساحة المغربية على المستوى الثقافي، وينعكس بدوره على سائر المستويات الأخرى”، مواصلا: “فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن نخبة سياسية في المستوى المطلوب، ولا نتوقع أيضاً نخباً حزبية أو نقابية أو جمعوية ترتقي إلى ما ينتظره المغرب في ظل أجواء ثقافية باردة وباهتة، بل ومنسحبة في الغالب”.
وصرّح الأكاديمي نفسه بأنه “صار واضحاً بالنسبة إلى القائمين على المبادرة أنه بدل التذمر والسخط وإصدار الكثير من البيانات ينبغي أن تكون لدينا مبادرات تتجاوز مجرد التعبير عن التذمر”، مسجلاً أنه “تم إصدار عدد من البيانات المتتالية التي رصدت مختلف الجوانب المتعلقة بإدارة النقاش العمومي، فنالت تفاعلاً كبيراً مع الأساسيات التي طُرحت في المرحلة الأولى، بل تحوّل بعضها إلى آراء وقّعتها نخبة من المثقفين والإعلاميين والساسة وغيرهم”.
وذكر ناشيد أن “الخطوة مستمرة في ظل تداول لا يتوقف”، معتبراً أن “الرهان هو تأهيل مستوى الأداء العام، في ظل أوضاع تطغى عليها التفاعلات السريعة، والأخبار الزائفة والمضللة”، ومؤكداً أنّ “انخفاض مستوى الذكاء العمومي لا يخدم الأمن ولا التنمية ولا السلام في أي مكان في العالم؛ فلا بد من الحفاظ على حدٍّ معقول من هذا الذكاء، وهذه مسؤولية الجميع، ونحن مؤمنون بها وملتزمون بالعمل من أجلها”.
المصدر: وكالات
