موسوعة توثّق الإنتاج الشعري المغربي خلال سبعين سنة، أعدتها في جزأين الباحثة والأديبة فاطمة بوهراكة، ضامة 350 شاعرا وشاعرة نظموا ما بين سنة 1953، قبل الاستقلال، والسنة الراهنة 2023.
وتشمل الموسوعة “أسماء شعرية لها تاريخ عريق، وأخرى شابة طموحة، تعمل بجد على حمل مشعل الحرف بشغف كبير، سواء أكانت مشهورة أم مغمورة”، وتجسّد “زخم عدد شعراء الوطن بشساعته الجغرافية: من شماله إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه، أضف إلى ذلك من يقطن خارج المملكة في ربوع العالم المختلفة”. وتجاور هذا العمل الجديد موسوعات أخرى سبق أن قدمتها بوهراكة للمكتبات بالمنطقة حول “الشعراء العرب”، و”الشعر النسائي العربي المعاصر”، و”الشعر العراقي الفصيح”، و”الشعر السوداني الفصيح”، و”الشعر العماني الفصيح”، وغير ذلك من كتبِ المختارات.
وفي ظل “الانتشار المهول والمخيف للمعلومة الإلكترونية التي تفتقر للمصداقية في بعض الأحيان فإن الشاعر والمهتم بالشأن الشعري تغيب عنه الكثير من المعلومات الحقيقية”، وهو ما تقول معدة الموسوعة إنه “يهدد المسار الشعري المغربي والعربي بشكل واضح، فتجد الشاعر الحالي لا يعرف من شعراء بلده إلا شلته التي يتواصل معها إلكترونيا، مع غياب أغراض مهمة للشعر واكتفائه بحساسيات شعرية موغلة في الذاتية والغموض.”
لهذا تروم بوهراكة الإسهام في سدّ ثغر توثيق الشعر المغربي منذ عهد الملك محمد الخامس، مرورا بالاستقلال ووصولا إلى عهد الملك محمد السادس، علما أن “دور التوثيق هو نقل الأحداث التاريخية كما هي دون التدخل في مجرياتها أو تغيير ملامحها أو تزيينها، ومن هنا نصل إلى حقيقة مفادها أن التوثيق الشعري غايته رصد التجارب الشعرية لا غربلتها من الشوائب العالقة؛ فهو مرآة تترصد الخط التاريخي للشعر وترصد الأسماء الشعرية، دون تقييم جودة الشعر والحكم على صاحبه، كون هذا الأمر من صميم عمل النقاد.”
ويجد قارئ الموسوعة “جيل ما قبل الرواد”، و”جيل الرواد”، و”جيل ما بعد الرواد”، منذ خمسينيات القرن الماضي “باختلاف أشكاله وأغراضه وأجياله، باعتباره ثروة وطنية وإنسانية لا تقدر بثمن”.
ومن الصعوبات التي واجهت الموثقة “ترسيخُ الأسماء الشعرية الخاصة بالألفية الثالثة” لأنه “مع ظهور وسائل التواصل الافتراضي، عرف المغرب – على غرار بقية بلدان العالم العربي- ارتڧاعاً مهولا ومخيفا على مستوى إنتاج الأسماء الشعرية. الشيء الذي جعل عملية التوثيق لهذه الفترة تتسم بالصعوبة والحذر الشديد بسبب الظهور المفاجئ أو ما يمكن وصفه بالصاروخي للاسم الشعري دون مقدمات تذكر ولا تاريخ شعري يشار إليه بالبنان، وقد انعكس هذا الأمر على بعض شعراء هذه المرحلة، فأصبحوا مهووسين بالشهرة أكثر من ترسيخ تجربتهم الشعرية، وبادروا لطباعة الدواوين قبل نضوجها.”
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قالت صاحبة الموسوعة فاطمة بوهراكة إن الفترة التي اختارت توثيقها هي “الفترة الذهبية للمملكة المغربية المعاصرة”، التي شهدت استقلال البلاد، وانطلاق أوراش سياسية واقتصادية وثقافية ورياضية كبرى، وتقلبات حياتية انعكست على “المشهد الشعري الموثق له”.
وتابعت قائلة: “مجال التوثيق الشعري صعب جدا، والساحة التوثيقية العربية تتسم بالندرة، وهذا مجال يحتاج تضحية لأن الشعراء يحتاجون الظهور والتسويق لأنفسهم”، فيما يتطلب التوثيق “الخروج من اللعبة الإعلامية الكبرى والاشتغال في صمت”، مع ذكر أن مجال التوثيق “حكر على المؤسسات والرجال، وهو من اهتمامات الدول المشرقية أكثر من الدول الغربية”.
وأضافت أن من آكد مهام التوثيق “حفظ الذاكرة الشعرية العربية”، فهناك “أسماء شعرية رائدة في الشعر العربي لولا التوثيق لضاعت”، وعبر الموسوعات يعرّف “بأسماء الشعراء وتجاربهم حتى بينهم”، وهذا الإصدار “كشّاف للحركة الشعرية المغربية خلال 70 سنة، ويعرف بشعراء المغرب تجاه المشرق، ويعرف بهم في المغرب نفسه، حتى تتعرف الأجيال على بعضها البعض”.
المصدر: وكالات