أجرى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الأسبوع الماضي، مجموعة من التعيينات الجديدة همّت مناصب عسكرية وأمنية رفيعة المستوى في هذا البلد، شملت قيادة أركان الدرك وقيادة الأركان العامة للجيوش والمديرية العامة للأمن الخارجي؛ إذ تم تعيين اللواء محمد فال ولد الرايس قائدًا للأركان العامة للجيوش، خلفًا للفريق المختار بله شعبان الذي أحيل على التقاعد، فيما جرى تعيين اللواء محمد المختار الشيخ مني قائدًا مساعدًا للأركان العامة للجيش، خلفًا لولد الرايس الذي كان يتولى المنصب.
وحسب مراسيم التعيين التي نشرتها الرئاسة الموريتانية فقد تم تعيين اللواء أحمد محمود محمد عبد الله الطائع قائدًا لأركان الدرك الوطني، خلفًا للقائد السابق الفريق عبد الله ولد أحمد عيشه الذي أحيل هو الآخر على التقاعد، في وقت أسندت إدارة المخابرات الخارجية للواء صيدو صمبا ديا، خلفًا للواء إبراهيم فال ولد الشيباني الذي عُيّن في منصب قائد الأركان الخاصة للرئيس ولد الغزواني.
وتضمنت التغييرات التي أثارت العديد من القراءات المتباينة حول دلالتها وأهدافها وسياقها تعيين اللواء أب بابتي الحاج أحمد، الذي كان يقود كلية الدفاع لمجموعة الساحل، في منصب المفتش العام للقوات المسلحة وقوات الأمن خلفًا للواء اعل زايد امبارك الخير المُحال على التقاعد، فيما عُيّن العقيد محمد الأمين محمد أبلال على رأس الكلية سالفة الذكر.
دماء جديدة
قال الوالي سيدي هيبة، المحلل السياسي الموريتاني، في تصريح لهسبريس: “التغييرات التي طالت قادة المؤسسة العسكرية في موريتانيا جاءت من أجل ضخ دماء جديدة في الجيش الموريتاني، واستبدال رجال قدموا الكثير لهذه المؤسسة، وآن لهم أن يستريحوا ليخلفهم من هو قادر على مواصلة هذه المهمة النبيلة والحيوية”.
وسجل المتحدث ذاته أن “الجيوش في كل دول العالم من الضروري أن تواكب التطورات، سواء من خلال استبدال القيادات أو من خلال تحديث عقيدتها وأسلحتها تماشيًا مع متطلبات تأمين الحدود ودفع الأخطار التي يمكن أن تهدد الدول”، مؤكدًا أن “الجيش الموريتاني متماسك، تغيب داخله الصراعات، ويسير في اتجاه تعزيز حماية الأمن القومي والدفاع عن السيادة الوطنية”.
وأشار سيدي هيبة إلى أن “المنطق الديمقراطي يقتضي أن يستبدل الجيش قادته في إطار مواكبة التطور والانفتاح الإستراتيجي على مختلف المدارس الحربية العالمية”، مشدّدًا على أن “التغييرات التي طالت قيادات في المؤسسة العسكرية الموريتانية ستساهم في تعزيز جهود الدولة الموريتانية في مواجهة التحديات الناشئة على الحدود، خاصة مع دول الساحل، حيث تنشط المجموعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة التي تشكل تحديًا لكل جيوش المنطقة”.
وبين المحلل ذاته أن “مهمة الجيش هي المرابطة على الحدود ومواجهة الأخطار التي تتهدد البلد، وبالتالي فإن التغيير الذي قد يطال القيادات العسكرية هدفه الأساسي هو جلب أفكار مبتكرة وأساليب حديثة تساعد على تحسين فعالية الجيوش في معارك وحروب المستقبل”، موردا أن “المنظمات الإرهابية والعصابات الإجرامية تطور هي الأخرى من أساليب اشتغالها، وهو ما يفرض على الجيوش النظامية، ومنها الجيش الموريتاني، تطوير نفسها وتحديث أساليب عملها واستبدال قادتها أيضًا”.
يد جزائرية
تبنى وليد كبير، الصحافي الجزائري المعارض، قراءة مختلفة في رؤيته لهذا التغيير الذي طال قادة الجيش في موريتانيا، إذ اعتبر أنه “لا يمكن فصله عن الزيارة الأخيرة التي قادت رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، السعيد شنقريحة، إلى موريتانيا، وعقد خلالها اجتماعات مع كبار ضباط الجيش الموريتاني”، مضيفًا: “أعتقد أن الرئيس الموريتاني اتخذ هذا القرار بشكل استباقي تحسبًا لأي محاولة من النظام الجزائري للتدخل في الشأن الداخلي الموريتاني، ودفع الجيش أو تحريك بعض ضباطه ضد الرئيس ولد الغزواني”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “النظام الجزائري كان له دور في دعم ضباط الجيش الموريتاني للانقلاب على الرئيس الموريتاني السابق الراحل مختار ولد دادة”، مشددًا على أن “النظام الحاكم في الجزائر أصبح متوجسًا من بداية وضوح الموقف الموريتاني حيال بعض القضايا الإقليمية، ويتوجس من سياسة الرئيس الموريتاني الذي رفع مجموعة من اللاءات في وجه الجزائر”.
وزاد كبير شارحًا أن “الرئيس ولد الغزواني رفض إغلاق معبر الكركرات لما حاول النظام الجزائري الضغط عليه لاتخاذ هذه الخطوة، ورفض الانخراط في أي تكتل مغاربي يقصي المغرب، كما رفض الوقوف ضد مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري وعرقلة المبادرات المغربية لفائدة دول الساحل؛ إضافة إلى رفضه افتتاح سفارة للبوليساريو في نواكشوط”.
وبين المحلل ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “هذه اللاءات أكدت للنظام الجزائري أن الرئيس ولد الغزواني لن يسير معه في ما يصبو إليه، وبالتالي بدأ يفكر في التحرك من أجل التخلص منه”، مردفا: “من وجهة نظري استبق الرئيس الموريتاني هذه الخطوة بإجراء تغييرات على مستوى قيادات الجيش”، ومؤكدًا على صعيد آخر أن “نواكشوط انخرطت في تعزيز علاقاتها مع الرباط التي تحمل مشاريع واعدة للقارة الإفريقية، ولن تجري وراء سراب النظام الجزائري ولن تخضع لإغرائاته ومحاولاته الفاشلة لاستمالة موريتانيا التي تقودها قيادة ناضجة”.
تماسك مؤسساتي
أورد محمد سيد أحمد بوبه، كاتب صحافي موريتاني، أن “التعيينات التي طالت مناصب عسكرية وأمنية رفيعة في موريتانيا تعكس توجهًا واضحًا نحو تعزيز جاهزية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في مواجهة التحديات المتزايدة، لاسيما في ظل تزايد نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة”.
وأشار أحمد بوبه، ضمن منشور تحليلي له في صفحته على موقع “فيسبوك”، إلى أن “هذه التعيينات تؤكد على الاستمرارية في نهج ولد الغزواني الذي يسعى إلى ترسيخ الاستقرار المؤسساتي في الجيش، مع ضخ دماء جديدة تعكس التوازنات القبلية والجهوية الدقيقة في البلاد؛ فبصفته قائدًا سابقًا للأركان يدرك الغزواني أهمية الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية لضمان الاستقرار السياسي”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “التعيينات تُبرز رغبة الرئيس في تعزيز الثقة الشعبية في الجيش والدرك والمؤسسات الأمنية، ما يمكن أن يعزز شرعيته السياسية داخليًا”، وزاد: “هذا الأمر يبدو مهمًا في ظل التحولات الإقليمية التي قد تؤثر على الوضع الداخلي لموريتانيا”، مضيفًا: “رغم أهمية هذه التعيينات تواجه موريتانيا عددًا من التحديات التي يجب التعامل معها بحذر، من ضمنها تنامي النشاط الإرهابي في الساحل الذي يتطلب زيادة التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية، والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، ثم التوازن الإقليمي، حيث تسعى موريتانيا إلى تعزيز علاقاتها مع دول الجوار دون الانزلاق في صراعات إقليمية”.
وخلص الكاتب الصحافي الموريتاني إلى أن “التعيينات الأخيرة التي أجراها رئيس الجمهورية تعكس نهجًا مدروسًا لتعزيز الأمن القومي، وتطوير القوات المسلحة، وتحقيق الاستقرار السياسي؛ إلا أن التحدي الأساسي هو ترجمة هذه التغييرات إلى نتائج ملموسة، تسهم في حماية موريتانيا من التهديدات الأمنية، وتعزز مكانتها كلاعب رئيسي في جهود مكافحة الإرهاب إقليميًا؛ ولن يتم ذلك إلا من خلال تعاون وثيق بين مختلف المؤسسات السيادية وتضافر جهودها وتكامل عملها”.
المصدر: وكالات