تروج على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تعرض إيقاعات وجغرافيا المغرب العميق؛ فيديوهات لمضايق تودغا وعين آسردون وشلالات أوزود ومعبر تيشكا… فيديوهات لجبال ووديان ومنعرجات وأخاديد الأطلس، مرفقة بأصوات تصدح بأغان أمازيغية ساحرة.
يقول مطلع متعدد الأصوات:
أحذاذي يسلحن أكايولينو…
أحذاذي يسلحن أكاميمينو
أحذاذي يسلحن أكايسلينو
إغوذا أوراعانس يخيف
تقول الأغنية:
فارس مسلح حبيبي (قلبي)
فارس مسلح ولدي
فارس مسلح عريسي
في نظرته هيبة وكاريزما.
هذه أغنية في عرس تقدم وجهة نظر الأم والعروس في العريس.
هذه فيديوهات فيها إيقاع ولغة وفن عيش ومناظر طبيعية… فيديوهات تبرز التراث المغربي في المعمار واللباس والطبخ… فيديوهات تشبع الحواس.
يردد الجمع في أحيدوس:
ثنايي إمانو
ثيرباثين ثغدارين
ثنايي إمانو هاورا سنغي الراي.
تقول الأغنية:
أخبرتني أمي
إخبرتني أن البنات غدارات
أخبرتني أمي ولم أفعل برأيها…
لذلك وقع الشاب في الحب وصار يزأر:
إني حاه
إني حاه
إني حاه
إني حاه
بينما تتقدم الراقصة مطلقة شعرها كأنها فرس تتهادى تتصاعد “اللايكات” تعبيرا عن الإعجاب بالرقصة المندفعة.
يعبر شاب آخر بفتاة أطلسية:
آثاح فيخ
آثا زيلخ (أنا زين)
والزيننش اويث إيمايش
تقول الأغنية:
يا آنسة أنا فقير (حافي)
يا آنسة أنا وسيم
اذهب خذ جمالك لأمك.
تسخر منه ثم تستبدله بالغني الكهل الذي اشترى لها حليا ذهبية وأكلا جيدا وحماها من الإنهاك البدني في العمل.
في فيديو آخر تنظر شابة للكاميرا وتردد:
وايا مزيي شوي كيغيلنش آزين أوا
ريخ أذ فرجن إيعذاون ذيغي أوا
تقول للوسيم:
خذني في حضنك قليلا أيها الجميل
أريد أن يتفرج أعدائي على ذلك
إنه مديح الحب الميؤوس منه.
إنه المزاج الجبلي المتفائل حتى في أصعب اللحظات.
يخاطب شاب حبيبته:
آورا يا ثاسا
أوا ماشي غان شا إوا سديوسين؟
آيمانو
اوراخ إتبدال بولوزين ثيوثمين أم البوطاث
الترجمة من العربية للأمازيغية:
تعالي يا كبدي
تعالي من أغضبك؟
تجيبه:
إن صاحب المعمل يستبدل البنات كما تُستبدل قنينات الغاز…
هكذا تقدم صفحات الرقص الأمازيغي عالما خصبا متعددا مدهشا. حين اقترحت مثل هذه الترجمة على مسؤول في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط لم يرد علي إلى حد الآن.
في مقطع آخر تشتكي عاشقة:
ثكا ثايري ميدن كول
ثدوت ألغوري ثقيم
يقول العاشق:
زار الحب كل الناس
وحين وصل إلي استقر
وترجوه:
فحذاري يا حبيبي أن تفصلني عن أهلي
ثم تتركني.
يطمئنها في مقطع آخر:
تعالي يا كبدي. (موطن الحب هو الكبد في الأطلس).
فأنا لا يُغيّرني الزمن
هذه أصوات ومواهب لا تجد لها موقعا في الإعلام الرسمي. هذه فنون شعبية متجذرة لا تجد لها موقعا في مشهد الثقافة العالمة.
يعيش المغرب خللا في الهندسة الثقافية يترتب عنه إهدار موارد ومعارف وانفصال كبير بين الثقافة الشعبية والثقافة العالمة المنغلقة الغامضة .يقول آلان سوويغوود “إن المجتمع ليس شيئا خارجيا بالنسبة للموسيقى، بل يقع ضمن تنظيم وبنية الموسيقى نفسها”.
ممنوع نزع الأغنية من سياقها.
حاليا، بينما ينتج المغرب العميق فنا متعددا شعرا وإيقاعا وتعبيرا جسديا…. تنشغل مؤسسات التعليم العالي ببحوث عن قافية ابن المعتز ووصف بيداء وناقة ونخلة الأندلس، بينما مراكش محاطة بـ100000 شجرة زيتون.
لا بد من توثيق هذا الفن وترجمته وتفسيره لأنه يصدر عن نبض قلب الشعب، وهذا أهم من ترجمة كونفوشيوس للأمازيغية ونشره بحروف تيفيناغ.
في انتظار أن يتجسد هذا المشروع الثقافي على الأرض فإن الكثير من المناطق في الأطلس مهددة بالعطش والجوع تحتاج بديلا تنمويا وإلا ستصير هجرة تلك المناطق هي الحل.
يجب على الدولة تخصيص ميزانيات أكبر للعالم القروي للحفاظ على التنوع الاجتماعي والثقافي والفلاحي للبلد. دون هذا سيتجمع كل سكان المغرب على الشاطئ المتوسطي والأطلسي. وسيفقد البلد عمقه وظهره الثقافي والاقتصادي.
المصدر: وكالات