كل أسبوع، يصل مئات المهاجرين الذين تطردهم الجزائر إلى أساماكا أول قرية على حدود النيجر بعد مسير في الصحراء، حيث يمكن أن تظهر في الأفق في أي لحظة طوابير طويلة من الظلال يتقدمها الأقوى.
وفي هذه القرية الصغيرة النائية بلغ عدد هؤلاء المهاجرين القادمين من مالي وغينيا وسوريا وبنغلادش وساحل العاج وغيرها أكثر من 4500.
وبعد أن يقطعوا 15 كيلومترا سيرا على الأقدام يعيش هؤلاء اختبارا جديدا. فمركز العبور الذي تديره منظمة الهجرة الدولية، أكبر هيئة ترعاها حكومات في هذا المجال، تواجه وضعا يفوق قدرتها ولا تتولى أمر أكثر من ثلث المطرودين.
وقال عبد الكريم بامبارا الذي جاء من ساحل العاج، غاضبا “عندما وصلنا إلى هنا قيل لنا إنه لم يتم الاعتراف بنا كمهاجرين من قبل منظمة الهجرة الدولية، وبالتالي لا حل سوى أن ندفع مقابل نقلنا للعودة إلى البلاد”.
وفي أساماكا خزانات المياه فارغة والحصص غير كافية والملاجئ نادرة بينما تصل درجة الحرارة أحيانا إلى 48 درجة مئوية خلال النهار. ويصطف آلاف الأشخاص أمام الجدران أو تحت أقمشة بحثا عن ظل.
وبعد تجريدهم من كل ممتلكاتهم في الجزائر على قولهم، لا يمكن لهؤلاء الاتصال بأقاربهم أو دفع تكاليف رحلة العودة ويصبحون محكومين بالبقاء على قيد الحياة في هذا السجن الرملي إلى أجل غير مسمى… وفي أغلب الأحيان لأشهر.
بعض المهاجرين أطباء وبعضهم طلاب أو تجار. لكن حول جدران الأسلاك الشائكة في المركز ليسوا سوى أفراد… مجرد أناس يتدافعون للتعبير عن يأسهم، بجلودهم الموبوءة بالجرب وجروح ملتهبة وبطون فارغة وصدمات لا تغادرهم… ونهاية لكل إنسانية.
ويقول هيرمان المهاجر من ساحل العاج أيضا “أصبحنا قطيع ماشية!”.
ويقاطعه آخر قائلا “هل رأيت ذلك؟” مشيرا إلى حفنة من الأرز اللزج الذي يغطيه الذباب. ويتساءل “هل يمكنك أن تأكل ذلك؟ نحن نمرض بسببه!”.
في مكان أبعد تتبادل مجموعتان من الجياع رشق الحجارة وسط سحابة من الغبار. والمشاجرات لا تتوقف. وقبل أيام قليلة، أثار مقتل مهاجر كاميروني أعمال شغب وتم تفريق المهاجرين بالغاز المسيل للدموع.
وتعرض مركز العبور التابع للمنظمة نفسها لهجوم ونهب من قبل متظاهرين.
وقال أبو بكر شريف سيسي القادم من سيراليون “نحن جميعا مصدومون. لا يستطيع الناس التحكم بأنفسهم.. إنهم لا يحتملون الوضع هنا..، لا شيء هنا! الناس يموتون!”.
ويؤكد محمد مامبو ممثل السيراليونيين عند معبر أرليت “لو كان هناك ما يكفي من الطعام لما تقاتل الناس لكن لا يوجد طعام فماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ إذا لم يكن لديهم شيء فسوف يقاتلون لمجرد البقاء على قيد الحياة”.
أما سكان أساماكا البالغ عددهم نحو 1500 نسمة فهم غارقون وسط هذا الحشد الذي لا يمكن السيطرة عليه.
وقال فرنسوا ابراهيم ممثل المنظمة غير الحكومية المحلية “الارم فون ساهارا” التي تقدم إسعافات أولية للمهاجرين في الصحراء إن المهاجرين “موجودون في كل مكان في القرية، باتجاه المركز الصحي وتحت الأسوار”.
وأضاف أن المهاجرين “يسرقون حيوانات السكان لذبحها. ليس لأنهم لصوص ولكن عندما تكون البطون فارغة…”.
تواصل ارتفاع عدد المهاجرين المرفوضين على أبواب النيجر منذ بداية العام. وقالت منظمة أطباء بلا حدود إنه “وضع غير مسبوق”.
ومن الحدود الجزائرية إلى أغاديز عاصمة المنطقة الواقعة على بعد 350 كيلومترا تعاني جميع مراكز العبور من الازدحام. أما الطرق المؤدية إلى الجنوب فتواجه خطر الجماعات الجهادية مما يدفع إلى استئجار رحلات طيران مكلفة لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.
ويوضح عثمان أتير مدير مركز عبور أرليت في المنظمة الدولية “غالبا ما يتم إلغاء الرحلات الجوية (…) مع ذلك تجري عمليات ترحيل كل أسبوع”.
وتقع منطقة أغاديز في شمال النيجر وهي تدفع ثمن استقرار نسبي. وقال رئيس بلدية أرليت عبد الرحمن مولي إن “محور أساماكا -أرليت هو الأكثر أمانا ولهذا السبب تسير كل مجموعات المهاجرين في هذا الاتجاه”.
وتؤدي أزمات أمنية وإنسانية أخرى إلى حشد المساعدات في أماكن أخرى. والجهة المانحة الرئيسية لمنظمة الهجرة الدولية في المنطقة هي الاتحاد الأوربي الذي يمول معظم الرحلات الجوية التي تعيد المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.
وقالت المنظمة غير الحكومية المحلية إن المنظمة الدولية “تلعب دورا رئيسيا في سياسة دول الاتحاد الأوربي بنقل الحدود إلى الأراضي الأفريقية” حرصا على إبعاد ضغوط الهجرة عن القارة الأوربية.
ويرى تاري دوجو الأمين العام للمجلس الإقليمي لأغاديز أنه منذ اندلاع الأزمة الليبية في 2011 أصبحت المنطقة “الباب الأخير وعلينا تأمين رحلات كل طالبي اللجوء. لكن في الواقع يشكل حافزا لتثبيط همتهم”، ملخصا بذلك شعورا سائدا على نطاق واسع في المنطقة.
وقال إن “الاتحاد الأوربي يتحمل جزءا من المسؤولية في هذا الوضع”.
المصدر: وكالات