نقل مهرجان أجيال السينمائي 2024 جمهوره إلى قطاع غزّة عبر عرض تجربة “من المسافة صفر”، التي تجمع مختارات من 22 فيلما قصيرا عن “الصمود والعزيمة”. الأعمال تم تصويرها وسط حرب لم تضع أوزارها بعد، وفق الإمكانيات المتاحة، من لدن 22 مخرجا ومخرجة من نساء وأطفال وشباب ورجال يحاولون تقديم قصص من حياة صارت “مادّة خبريّة” لا تنفد محتوياتها منذ أكتوبر من العام الماضي.
صناع الأفلام المشاركون في مشروع “من المسافة صفر” هم: أوس البنّا، أحمد الدنف، باسل المقوسي، مصطفى النبيه، محمد الشريف، علاء أيوب، بشار البلبيسي، علاء دامو، هانة عليوة، أحمد حسّونة، مصطفى كلّاب، كريم ستوم، مهدي كريرة، رباب خميس، خميس مشهرواي، وسام موسى، تامر نجم، نداء أبو حسنة، نضال دامو، ريما محمود، اعتماد وشاح، إسلام الزريعي.
سينما وسط الحرب..
علمت جريدة هسبريس أن هذا العمل تُرجم إلى أكثر من لغة، مع أنه يحافظ لنفسه على لغته: الصورة والميدان، وفق توصيف بعض المتدخلين في جلسة نقاشية مع منسق العمل المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي نظّمت عقب العرض؛ لكن الأحداث في الشرق الأوسط ظلّت مرئيّة بالنسبة للجميع حول العالم فإن “هذه القصص تقدمُ منظورا فريدا لكونها ترافق حكايةَ كل شخص ومحيطه”.
تعالج السلسلة معاناة لا حدّ لها وتتطرّق لمواضيع شتّى من داخل نطاق الحرب. تصوّر أحلاما لأطفال تغفو تحت القصف؛ زيجات خرّبتها الغارات، وأحبّة تحت الركام؛ أنوثة مسّها البوار. حمامات مستحيلة. جوع وعطش وغياب الكهرباء. كل شخص يحكي قصّته بلا أن يذكر عدوّه ولا حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ولا المقاومة؛ ولا أيّ شيء آخر، يحكي همّه وبحثه المتواصل عن الخلاص وخلاص أهله وأصدقائه.
كما لا تنسى الأعمال أولئك الباحثين عن “الحبّ وسط الحرب”. المتكلّمين بالموسيقى؛ والحالمين بغزة كمدينة تحتفي بالفن والتشكيل والتصوير والأدب. الذين قالوا “لا”. وقاوموا “آلة الحرب” بتعابير تأمل أن تشرق الشمس بلا أن تصطحب معها مسيّرات وصواريخ وبنايات مهدّمة. غزّيون تركوا صور الدمار والدم والموت وأسسوا فرقة موسيقيّة تدافع عن “حقّ الناس في أفراح صغيرة وسط حزن لا يوصف”.
تبدو هذه الأفلام، رغم تباينها من حيث الجوانب التقنية والفنية، أنها تراهن على تشكيل “رواية فلسطينية” داخل “عملية تشديد الخناق على الحقيقة”. لذلك، تعتمد على الحكي ميدانيّا من البداية حتى النهاية. لغة حيّة. تخلو من الشعارات وتتمنى انتهاء الحرب. كما تبتغي تحقيق التفاعل مع القضية انطلاقا من عنصر الرّؤية؛ كأنّ “القيمة السينمائية تودّ أن تعيش طويلا بما يضمن الخلود لصمود هذا الشعب المقهور”.
حتى يساند الجمهور
المخرج وصانع الأفلام الفلسطيني المعروف رشيد مشهراوي، الذي صنعت هذه الأفلام تحت إشرافه، كشف لجريدة هسبريس أن “الغاية من جمع هذه الأعمال هي إظهار ما يحدث في غزّة لنسمح لعين المشاهد في كلّ العالم بأن تلتقطَ أشياء حيّة متجسدة في قصص السكان الذين يتعرضون للإبادة”، مبرزا أن “الخروج بعمل نهائي مُرضٍ بهذا الشكل لم يكن أمرا يسيرا، خصوصا أن آخر همّ هؤلاء المخرجين الموجودين في قلب المخيمات هو السينما”.
ولدى سؤاله عن غياب مصطلح “الإبادة الجماعية” في كلّ السيناريوهات التي تشكِّلُ في التئامها “من المسافة الصفر”، قال المتحدث إن “الحرص كان أن تبتعد هذه الأعمال عن أي تجاذب سياسي”، وأوضح: “كنت أخبرهم أننا نراهن فقط على إبراز ما يجري. نحن لا نكتب تقارير خبريّة؛ بل نترجم حياة في شكل صور مرئية قابلة لتجد مكانا في ملتقيات سينمائية عالمية وتترافع وفق ما تتيحه مادّة السينما لفائدة الشعب الفلسطيني. نريدُ أن تتوقّف الحرب”.
وأفاد الفلسطينيّ: “أنا أحبّ الموقف حين أعرض الأفلام وتُطرح عليّ مثل هذه الأسئلة النّبيهة لأستخلص أن ما قدمته هو بالفعل سينما، وليس شيئا آخر”، وزاد: “الجمهور يتشرّب اللغة من السينما دون التصريح بها. هو من سيقول إنها إبادة جماعية، لأن الأمر واضح؛ ولكن لا ينبغي أن ينطق به السينمائي. أمّا خارج نطاق العمل فلن تجد فلسطينيّا لديه يقين مختلف عن كون ما يحدث إبادة شاملة وتطهير عرقي”، بتعبيره.
وواصل المخرج البارز مبينا: “ما أبتغيه هو ألاّ يشكو الفلسطينيّ، وإنما أن يفعل ذلك المشاهد. أودّ أن يُشحن بالحقيقة التي يراها بأمّ عينيه ويستشيط غضبا. أحرّضه على التحرك من موقفه ويثُور لفائدة نصرة شعب يتعرض للظلم”، مشددا على أن “المحطات التي مرّ منها العمل في تظاهرات تخصّ الفن السابع، والآن في مهرجان أجيال السينمائي تبرز أن المبتغى يتحقّق”.
وحول سؤال عن غياب الحسّ السينمائي في بعض الأعمال الـ22، ردّ مشهراوي بأن “الأمر يتعلق بـ22 مخرجا ومخرجة، ولكل منهم رؤيته وإمكانياته. هم يشتغلون تحت القصف”، مسجلا أن “الغاية هي الحصول على مضامين سينمائية لديها مقومات معينة. الحكايات تنطلق من المسافة الصفر، وهذا ليس أمرا سهلا، وعلينا أن نستحضره في عملية تقييم هذه المحتويات وطريقة صناعتها سينمائيا”.
المصدر: وكالات