انطلقت الكاتبة عفيفة الحسينات في كتابها “من السينما إلى الأوبرا” من مبدأ أن “لهذا الكتاب طابعا نسائيا وأنثويا”، مرجعة ذلك إلى كونها “امرأة أساسا، لكن الاختيار أيضا هو التركيز على إنتاج نقد يهتم أكثر بالنسائية في الإنتاج الفني، ليس كمقابل للذكورية، بل كاختيار فكري ومنهجي وثقافي يندرج ضمن مشروع بحثي أكاديمي من جهة، ونقدي جمالي من جهة ثانية”.
وذكرت الكاتبة في تقديمها للكتاب أن “مكانة المرأة في السينما غالبا ما ترتبط في أذهان عامة الناس بصور مثيرة بغنجها وأنوثتها النمطية مثل صورة مارلين مونرو وبريجيت باردو عالميا، أما عربيا فالشائع أكثر هو صور أكثر جمالية ورصانة مثل صور فاتن حمامة وسعاد حسني وغيرهما”، معتبرة أن “المرأة تظل مع ذلك في موقع أدنى من موقع الرجل”.
وأما مغربيا، فالمرأة بالنسبة للحسينات، “شكلت البنية الحكائية الأساسية لأفلام عديدة أخرجتها نساء كما أخرجها رجال؛ إلا أن الطروحات والمقاربات اختلفت باختلاف الثقافة والمرجعيات والمقاربة السينمائية لكل فيلم”، مبينة أن “رؤية المخرجة فريدة بليزيد مثلا تختلف عن رؤية المخرجة نرجس النجار، كما تتباين عن مقاربة المخرج سعد الشرايبي وعن تلك التي يطرحها السينمائي لحسن زينون في أفلامه”.
ومن ثم، يبدو للكاتبة أنه “منذ ظهور السينما عموما والمرأة تتقدم شيئا فشيئا نحو تسخير السينما لطرح قضاياها الخصوصية ضمن القضايا المجتمعية الكبرى، التي شكلت استثناء أمام المد الهائل لتوظيفها للإغراء والإثارة كموضوع للمتعة والتزيين”، مؤكدة أن “سيطرة الفكر الذكوري على السينما أدت إلى تهميش قضايا المرأة في الفن، اللهم في طروحات محددة لقضاياها بشكل فني عميق ومدهش”.
“سينما المرأة” كما تتصورها المُؤلفة، هي “تعبير لا يمكن إلا أن يدل على صانعات السينما من المخرجات مع التعدد القائم والاختلاف في رؤاهن لسينما المرأة؛ فالمخرجة في الأول والأخير هي صاحبة الرؤية الكاملة للفيلم، وسينما المرأة إذن ليست هي فقط الأفلام التي تطرح في مضامينها قضايا المرأة”.
وفي المغرب، تورد الحسينات: “يمكن القول بأن المُخرجات فريدة بليزيد وفريدة بورقية ونرجس النجار والمخرجين سعد الشرايبي ولحسن زينون وحسن بنجلون، على سبيل المثال لا الحصر، يعتبرون من السينمائيات والسينمائيين الذين خصصوا اهتماما كبيرا ومركزيا للمرأة ولقضاياها”، مبرزة أن “أعمالهم تعتبر من بين الأكثر تخصصا وعمقا وحساسية في طرح القضية النسائية عموما، باختلاف في الرؤية والمقاربة طبعا”.
وقبل الخوض في تفاصيل الكتاب، نبهت الكاتبة إلى أنه “عبارة عن مقاربة متعددة الاهتمام بأشكال تتراوح بين السينما والمسلسل التلفزيوني والبودكاست والكليب، بل وحتى الأوبرا والباليه”، مشيرة إلى أن القاسم المشترك بينها “هو الرغبة في إظهار موقع المرأة عموما في الثقافة البصرية ضمن أعمال فنية مغربية وعالمية، قد تسعف القارئ في الوعي أكثر بالتعدد والغنى الذي تحمله هذه الأعمال إبداعيا وموضوعاتيا، شكلا ومضمونا”.
ولا ترى الكاتبة في النقد الفني سوى “تناول تحليلي ونقدي تركيبي للفنون البصرية، في اختلاف حواملها؛ فهي تشكل أنماطا من التعبير التي تمنح الدارس والملاحظ والقارئ، على حد سواء، وعيا معينا بالموقع الذي تحتله المرأة في المجتمع وبطبيعة الحالات والقضايا والأوضاع التي تعيش ضمنها”، ليكون هذا الكتاب في النهاية محاولة للكشف عن “بعض مظاهر الجماليات البصرية، إيجابياتها أكثر من سلبياتها، ومساهمة في إبراز الثقافة البصرية المغربية أساسا، وذلك بالنظر إلى مرجعيات قيم ومنطق ومقارنة ومقاييس تناسق جمالي ننطلق منه ونتبناه”.
وانطلقت الكاتبة من سؤال: هل نعيد اكتشاف المرأة والبيت من خلال السينما في زمن كورونا؟”، لكن على ما يبدو، فالأمر بالنسبة لصاحبة الكتاب “لا يتعلق هنا بالتعبير عن شكايات من الإغلاق الذي عانت وتعاني منه دور العرض، كما هو الأمر بالنسبة لمرافق صناعات ثقافية وفنية أخرى، بل نقصد الدور الذي وفره الحجر الصحي والتوقف عن الخروج من فرصة فريدة لمشاهدة أوسع وأكثر للأفلام السينمائية، وما قد يترتب على ذلك من إعادة نظر، بالتالي، لمعنى البيت والزواج والأدوار في هذا البيت، باعتباره لبنة البنيات الاجتماعية وصلب طبيعتها وخصائصها المحددة للعلاقة (امرأة-رجل، ذكر أنثى …)”.
المصدر: وكالات