أجمع مختلف النواب على أن ظاهرة الفساد تواصل تسجيل حضورها القوي في المغرب، مكبدة البلاد مجموعة من الخسائر ومخلفة عراقيل جمة تعيق الجهود التي تبذلها المملكة في سعيها وراء تحقيق الدولة الاجتماعية والقوة الإقليمية الصاعدة التي تنافس في المنطقة.
ودعا نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، خلال مناقشة الميزانية الفرعية للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مساء الخميس، إلى تطبيق مبدأ من أين لك هذا؟، معتبرا أن هذا الأمر وحده كفيل بالقضاء على الفساد بالبلاد.
وشدد مضيان على أن محاربة الفساد تتطلب الجرأة والإرادة السياسية اللازمتين، مؤكدا أن الدولة تمتلك من الوسائل الكافية لاتباع المفسدين وكشف مصدر ثرواتهم، إذ إن موظفين بسطاء يمتلكون ثروات لا يمكن تبريرها؛ لذلك ينبغي تفعيل مبدأ “من أين لك هذا؟”، وفق تعبيره.
وفي السياق ذاته، عبر أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بالغرفة الأولى، عن رفضه لاختزال ظاهرة الفساد ومحاربته في المنتخبين فقط، مؤكدا أن الفساد الحقيقي في جهات وأماكن أخرى معروفة، و”الكل يتحامل على السياسي والمنتخب، سواء كان متورطا أم لا؟”.
ودعا التويزي إلى الحذر من التعامل مع “الوشايات والمكائد التي تواجه السياسيين وتستهدفهم في إطار الحسابات الانتخابية”، حيث بدا وكأنه يتحدث عن الملفات التي تواجهه أمام محكمة جرائم الأموال بمراكش بسبب الاتهامات الموجهة إليه من لدن هيئات مدنية معنية بمحاربة الفساد.
كما أثار النواب موضوع غياب الترسانة القانونية اللازمة لمحاربة الفساد؛ ومن بينها غياب قانون يجرم الإثراء غير المشروع في البلاد.
وفي تفاعله مع النواب، قال محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أمام أعضاء لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية، إن موضوع الإثراء غير المشروع “فيه عبء الإثبات وله شقان”، مبينا أن الشق الأول يقع على عاتق الدولة التي “ينبغي أن تثبت أن تطور الثروة كان في الفترة التي تقلد فيها المعني بالأمر مهمة تمكنه من استغلال ذلك المنصب، وهذه مسألة ترجع إلى الدولة”، حسب تعبيره.
وأضاف الراشدي موضحا أن الشق الثاني في الإثراء غير المشروع يتعلق بأن تكون الثروة “تفوق بكيفية واضحة ومثبتة المداخيل، وكل ما يمكن أن يزكي هذه الثروة”، مشيرا إلى أنه في هذا الوضع “نطالب المعني بالأمر بإثبات ثروته، وهناك ترتيب يسمح لنا بأن نحافظ على حقوق المواطنين وفي الوقت نفسه نحافظ على الصالح العام وأن نحمي الطرفين”، في إشارة إلى أن الهيئة تلتزم عدم السقوط في التشهير بالمواطنين أو المتهمين بالإثراء غير المشروع”.
وسجل رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلى أن الهيئة توصلت من الحكومة بطلب رأي بخصوص مسودتين، تتعلقان بالتصريح بالممتلكات وتضارب المصالح، مؤكدا أن هذه الأخيرة “لم تأخذ بجميع توصيات الهيئة”، واستدرك قائلا: “لكن هناك تقدم ملموس، ونسير في اتجاه منظور الهيئة إلى حد مهم. وهذا يمكن أن نعتبره تقدما إيجابيا في التعامل مع توصيات الهيئة وفي الإعداد لحقبة جديدة لمكافحة الفساد في المغرب”.
وشدد الراشدي على أن مكافحة الفساد تستلزم “مقاربة شمولية وتحديد الأولويات وبرمجة الكيفية والوتيرة”، معتبرا أن مسألة والسرعة “مهمة جدا في هذا الموضوع”.
وزاد المسؤول ذاته موضحا “الهيئة تؤكد على عامل الوقت، وما نقوم به اليوم يمكن أن يكون له أثر ملموس ويخلق أثرا. وخلال أربع أو خمس سنوات، لن يكون له أثر؛ لأنه تحدث تغيرات سريعة وتمظهرات الفساد تتطور وكيفية معالجة القضايا كذلك يتغير.. وبالتالي عامل الوقت أساسي من أجل تمكننا من تحقيق الإنجازات واستعادة الثقة”، حسب تعبيره.
المصدر: وكالات