مقابل خفض البنك الدولي، في أحدث تقاريره، توقعاته لنسبة النمو الاقتصادي بالمغرب إلى 3,5 في المائة خلال 2023، ذهبت المندوبية السامية للتخطيط إلى توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي للمغرب بـ 3,3 في المائة.
وحسب أحدث المعطيات الصادرة عن المندوبية، في تقريرها حول الميزانية الاقتصادية التوقعية لعام 2023 التي كشفت عنها أمس الخميس، سجلت أن “الطلب الداخلي سيظل، على غرار عام 2022، هو المحرك الرئيسي لهذا النمو، بزيادة قدرها 3.2 في المائة”؛ غير أنها أبدت تخوفاً من مخاطر “عدم اليقين” المرتبط، بشكل خاص، بتطور ثلاثة محددات حاسمة هي “الحرب في أوكرانيا، وتطور أسعار الفائدة، والمخاطر الوبائية والمناخية”.
واعتمدت “الآفاق الاقتصادية الوطنية” لسنة 2023، وفق ما اطلعت عليه هسبريس، على “فرضية إنتاج متوسط للحبوب خلال الموسم الفلاحي 2022-2023 وكذا التدابير والمقتضيات المعلنة في القانون المالي لسنة 2023”. كما ارتكزت هذه التوقعات على مجموعة من الفرضيات المرتبطة بتطور العوامل الخارجية المحيطة بالاقتصاد الوطني، سواء وطنيا أو عالميا.
المؤشرات الماكرو اقتصادية
ترتقب المندوبية، ضمن بياناتها المحينة، أن يبلغ معدل التضخم حوالي 2 في المائة (1.9 بالضبط) بنهاية 2023، مقارنة بـ5 في المائة التي استقر فيها عند متم 2022.
عجز الميزان التجاري من المنتظر أن يشهد انخفاضا أيضا خلال العام الجاري ببلوغه ناقص 20 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي مقابل ناقص 22.7 في المائة خلال السنة المنصرمة.
من جهة ثانية، سيرتفع بشكل طفيف معدل الدين العمومي الإجمالي ليتجاوز 83 في المائة من الـPIB، مقابل 82.5 في المائة التي سجلها خلال 2022. كما سيتعمق، وفق معطيات أوردتها الميزانية التوقعية للمندوبية، عجز الميزانية إلى ناقص 5.2 في المائة من الناتج الإجمالي مقارنة بـ2022 التي سجلت انخفاضه إلى ناقص 3.9 في المائة.
وتوقعت الـHCP أن “يتسارع استهلاك الأسر بشكل طفيف”، بفضل عامليْن بارزين؛ هما “الزيادة المتوقعة في مداخيل القطاع الفلاحي والمستوى المستدام لتحويلات مغاربة العالم”.
من ناحية أخرى، من المتوقع أن يظل إجمالي الاستثمار “معتدلا”؛ إذ لن تتجاوز حصته في الناتج الداخلي الإجمالي 31.5 في المائة.
المندوبية رجّحت أن تسهم “التغييرات الجديدة في تحصيل الضرائب على الشركات، وتوسيع الوعاء الضريبي، واستمرار سياسة التشديد النقدي في دفع الشركات إلى تخفيف عمليات التخزين والاستثمار في سنة 2023″، لافتة إلى أنه “من المتوقع أن يواصل الطلب الخارجي الصافي مساهمته السلبية في النمو الاقتصادي عند ناقص 0.2 نقطة، وأن يستقر العجز التجاري في حدود 20 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، مسجلا تراجعا مقارنة بسنة 2021”.
رهان “استدراك تداعيات الأزمات”
بشكل عام، تسجل المندوبية أن “الصدمات التي يتعرض لها اقتصاد المغرب على الرغم من مرونته النسبية، تُسبب أضرارا أكثر استمرارية على الموارد الاقتصادية ورأس المال الإنتاجي والبشري”، مستحضرة أنه خلال العقد 2010، ونتيجة صدمة الأزمة المالية الدولية، فقد المغرب 75 ألف منصب شغل من إمكانات خلق فرص العمل، وانخفضت دينامية نمو مخزون رأس المال المادي بمقدار 0.7 نقطة.
أما في سنة 2022 وحدها فقد “قاربت الخسائر حوالي 22 ألف وظيفة في أعقاب الأزمة الصحية الناتجة عن كوفيد-19، واستقرت في ناقص 1.3 نقطة من حيث دينامية نمو مخزون رأس المال”.
وستنتهي سنة 2023 بعودة النمو إلى مسار تطور أقل استدامة مقارنة بفترة ما قبل الأزمة، مع مكاسب صغيرة على مستوى اختلالات الاقتصاد الكلي ومخاطر غلاء كلفة التمويل. إن زيادة التهديدات حول تطور مردودية المقاولات تزيد من خطر إضعاف أكبر للإنتاجية والنمو المحتمل، في سياق ارتفاع تكاليف التمويل. وتجدر الإشارة إلى أن معدل النمو المحتمل قد انخفض تدريجيا من حوالي +4.8 في المائة في المتوسط السنوي خلال الفترة 2000-2009 إلى ما يقارب 3.4 في المائة خلال الفترة 2010-2019.
إن الجهد الاستثماري، الموجه نحو الانخفاض والذي تدهور عائده، وفقا لقياس المعامل الهامشي لرأس المال (ICOR)، على مدى العقد الماضي 2010-2019 ليستقر في 9.2، لن يمكن من استرجاع الخسائر في نقاط النمو أو الوظائف المسجلة على مدى السنوات الثلاث الماضية. كما أن استعادة مستويات ما قبل الأزمة فيما يتعلق بمكافحة الفقر والتفاوتات الاجتماعية ستكون أبطأ، خاصة مع استمرار سياسات عمومية أقل ملائمة.
تعزيز الاستثمارات الإنتاجية
لتجنب تفاقم ضعف النمو الاقتصادي أوصت المندوبية السامية للتخطيط بـ”تعزيز الاستثمارات الإنتاجية”.
وعكس المتعارف عليه سابقا، يؤكد المصدر ذاته أن “المقاولات الخاصة والأسر ستلعب دوراً حاسما في إنعاش رأس المال المادي، إذ تُؤمّن 66 في المائة من إجمالي تكوين رأس المال الثابت الإجمالي، على عكس الجماعات الترابية التي يسجل فيها المعامل الهامشي لرأس المال (ICOR) مردودية جد منخفضة”.
ورأت المؤسسة الإحصائية الرسمية أنه “ينبغي أن يشكل الاستثمار العمومي في نهاية المطاف عاملاً للنمو من خلال التشجيع على زيادة الاستثمار الخاص بشكل أكبر وأكثر فعالية”.
3 سيناريوهات تستشرف النمو
أورد المندوب السامي للتخطيط، ضمن ندوة تقديم التوقعات الاقتصادية لعام 2023، أن “مؤسسته بدأت في تقييم الجهود التي يتعين بذلها لإعادة آفاق النمو الاقتصادي إلى مسار نمو أكثر استدامة وشمولية ومرونة، في إطار ثلاثة سيناريوهات، سيتم تقديم خطوطها الرئيسية لاحقا بشكل مفصل، كما ستكون موضوع نقاش أكثر عمقا خلال ندوة مستقبلية مخصصة لهذا الموضوع”.
وبحسب ما اطلعت عليه هسبريس، يستشرف السيناريو الأول، الذي ينتمي إلى النوع “الاتجاهي”، آفاق النمو بحلول سنة 2035 من خلال الاعتماد على الخصائص البنيوية للاقتصاد الوطني كما تمت معاينتها ومقاربتها خلال السنوات الأخيرة.
أما السيناريو الثاني، الذي يسمى”NMD”، فيتوخى “تقييم الجهود التي يجب بذلها لتحقيق الأهداف التي حددها النموذج التنموي الجديد”. بينما تمت محاكاة السيناريو الثالث، ويُدعى “قابل للتحقيق”، من أجل تقييم الجهود التي يجب بذلها والقيام بها، مع الأخذ بعين الاعتبار القدرات التمويلية الممكنة للاقتصاد المغربي، لزيادة النمو وتحسين مستويات تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
المصدر: وكالات