منذ ظهور السيارة في أواخر القرن التاسع عشر ظهر المنبه معها بشكل متزامن، كان يدويا ثم أصبح كهربائيا سنة 1908. وكان الغرض منه تحذير مستعملي الطريق بقدوم العربة بسرعة خطيرة حتى ولو كانت تحت الأربعين في الساعة، لأن الخسائر الجسدية والمادية متحققة. وكلما زادت الخطورة زاد صوت المنبه قوة، فتستعمله القاطرات والبواخر وكذلك الشاحنات الثقيلة التي لا تستطيع التوقف الفجائي.
هذا هو الأصل في استعمال المنبه، إنقاذ أرواح الناس راجلين وراكبين قبل وقوع المصائب، وبذلك فهو لا يستعمل سوى عند اقتراب خطر ما، وتعلمنا في امتحان السياقة، إن كان البعض يتذكر ذلك، أنه لا يستعمل في الليل أبدا وإنما يعوَّض بالتنبيه الضوئي. لأن أصول الحضارة تقتضي اعتباره ملوثا صوتيا كبيرا ومسببا للضجر والقلق وإفزاع الساكنين (من السكينة).
أقمت بفرنسا مدة شهر وزيادة، في مدن وقرى عديدة، وكنت أحس بنقص ما، بحاجة معينة تخص مشهد الحياة، وفي الأيام الأولى اكتشفت السبب، كان ذلك انعدام أبواق العربات، حتى الدراجات النارية تمر في صمت وتقف في صمت، باستثناء محركاتها الصغيرة أو الضخمة، ما هذا الصمت المطبق؟ نحن في المغرب تعودنا على هذه الأبواق ليلا ونهارا، وهنا الصمت نهارا والسكون ليلا.
سنبحث عن عذر للسائق المغربي ونقول إن سلوك الآخرين يخرجه عن صوابه “وينرفزه”، الله غالب، فيرد على من لا يحترم قانون السير أو من يقف أمامه فجأة أو من يتوقف أمام مرآب المنزل أو العمارة إلى غير ذلك من الحالات التي ترفع درجة الغضب. لكن حين يقف سائق وسط الحي السكني صباحا ثم يقتلع طبلة أذن النائمين ليُعلم زوجته بضرورة الخروج من البيت، أو تمر سيارة نقل التلاميذ فتزعق عند كل سكن ليخرج المتمدرسون سريعا، أو حين يتوقف آخر أمام مقهى ويمطر الزبناء برشاش صوتي لينبه أحد أصدقائه بضرورة الالتحاق به، فهذا ما يجعل المنبه خروجا عن أصول الحضارة والتمدن.
في الحي الذي كنت أسكنه سابقا لم يكن عندنا مسجد بالجوار، بسبب حداثة بنائه بعيدا عن الأحياء الأخرى، وكنت أقفز من نومي قبل آذان الفجر بزعيق سيارة، لسائق متعجل أو في حالة قلق غريبة، لا يطلق منبه سيارته بشكل متقطع خفيف لكن بطلقات قوية طويلة عنيفة، وقليل التربية هذا كان يمتلك منبها من أقوى ما يمكن أن تحتمل أذن في النهار فبالأحرى في عمق الليل.
ترصدته في يوم من الأيام، ووقفت أمام سيارته وطلبت منه أن ينزل نافذة باب السيارة ففعل مستغربا، فقلت له بأدب:
– السلام عليكم، راه ما كتخليناش نعسو آلشريف بهاد لكلاكسون، فرد بلا حياء:
– راه غير كاندي معايا واحد الأخ في الله لمسجد الرحمة. وفوق داك الشي هادي راه صلاة الفجر آش بقا من نعاس، واخ تنوض تصلي غير فدارك، تدي شوية ديال الأجر.
لاحظوا معي منطق أخينا في الله، هل أتكلم معه في مظاهر الحضارة والتحضر والحكمة من اختراع المنبه وما تعلمه قبل الحصول على رخصة السياقة أم من أين أبدأ الكلام معه؟ وهذا غيض من فيض، أما لو عدّدنا هذه الاستعمالات المرضية لمنبه السيارة لما كفانا مجلد معتبر.
والمنبه ما هو إلا واحد من السلوك المنحرف لاستعمالات كثيرة هي في الأصل اختُرعت لحفظ حياة الناس وتواصلهم وسلامة نومهم وصحوهم وذهابهم وإيابهم أفرادا وجماعات.
المصدر: وكالات