توجه عدد من الأعضاء بجماعات محلية بمناطق عدة بالمغرب في الآونة الأخيرة نحو تطبيق المادة 70 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، التي ترتبط أساسا بإمكانية تقديم ملتمس استقالة الرئيس بمناسبة مرور 3 سنوات على تكوين المجالس المحلية بناء على انتخابات 8 شتنبر 2021 وتأسيس تركيبة المجالس بين أغلبية ومعارضة.
تفاصيل قانونية
تنص المادة 70 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية على أنه “بعد انصرام أجل ثلاث سنوات من مدة انتداب المجلس، يجوز لثلثي الأعضاء المزاولين مهامهم تقديم ملتمس مطالبة الرئيس لتقديم استقالته، ولا يمكن تقديمه إلا مرة واحدة خلال مدة انتداب المجلس”، وأن “هذا الملتمس يدرج وجوبا في جدول أعمال الدورة العادية الأولى من السنة الرابعة التي يعقدها المجلس”.
ووفق النص القانوني ذاته، فإنه “إذا رفض الرئيس تقديم استقالته، جاز للمجلس في نفس الجلسة أن يطلب بواسطة مقرر يوافق عليه بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء المزاولين مهامهم من عامل الإقليم إحالة الأمر على المحكمة الإدارية المختصة لطلب عزل الرئيس”.
وتعيش عدد من المجالس في الوقت الراهن على وقع الترقب بخصوص توجه عدد من أعضائها إلى طرح ملتمسات لطلب استقالة الرؤساء خلال الدورات العادية المقبلة إما بفعل انصراف الأغلبية عنهم أو لوجود خلافات بينهم وبين الأغلبية، مما أعاق التنمية خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر المجالس الجماعية.
مجالس في مواجهة رؤساء
هسبريس طالعت بعض هذه الملتمسات التي تقدم بها منتخبون ضد الرؤساء لإدراجها في جداول أعمال دورات أكتوبر، بعضها يهم جماعة تودغى العليا بإقليم تينغير، وجماعة وجان بإقليم تيزنيت، وجماعة إسافن بإقليم طاطا التي تعيش على صفيح ساخن منذ مدة، حيث تمكن المنتخبون بهذه الجماعات من إدراج نقطة استقالة الرئيس في جدول أعمال الدورة العادية المقبلة.
بناء على هذه الحالات، وحالات أخرى ليست بالقليلة، يبدو أن هناك توجها من قبل عدد من المنتخبين بجماعات بعينها، خصوصا تلك التي تعرف شرخا بينا على مستوى الأغلبية وصراعات ضد الرئيس، إلى تفعيل المادة 70 من القانون التنظيمي للجماعات. ويعتبر أكاديميون أن هذه المادة القانونية “مادة استثنائية تمكن من إعادة التوازن إلى مجالس محلية معينة بفعل صعوبة الاستمرار في الحالة نفسها لما تبقى من الولاية الانتخابية”.
مادة استثنائية
رشيد اكديرة، أكاديمي متخصص في القانون الدستوري والإداري بجامعة ابن زهر بأكادير، قال إن “الفصل 70 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية يعطي الفرصة للمجلس التداولي باعتباره سيد نفسه لتقييم وتقدير أداء المجلس في نصف الولاية من أجل إما منح الثقة من جديد للرئيس، حسب منطوق المادتين 18 و38، اللتين تنظمان السير العادي للمجلس، أو ربما سحبها منه إذا تبين أن أداء المجلس لم يساير ما تم التوافق عليه”.
وأضاف اكديرة، في تصريح لهسبريس، أنه “إذا كانت المادتان 18 و38 عاديتين، فإن المادة أو الفصل 70 استثنائية؛ فالقانون دائما ما يضع حالة الاستثناء باعتبارها حالة يمكن اللجوء إليها لتصحيح بعض التوافقات المبدئية التي تكون في غمرة الانتخابات، في وقت تكون الاستثنائية دائما موجودة، خصوصا فيما يتعلق ببعض الدورات الاستثنائية والنقاط المقترحة، سواء من المجلس نفسه أو حتى من سلطات الوصاية وفق ما لم يتوقعه منطوق الفصلين 18 و38”.
وزاد: “الحالة الاستثنائية موجودة في مختلف المواثيق والنصوص القانونية، بما فيها الدستور الذي ينص على بعض الحالات الاستثنائية التي يمكن خلالها لرئيس الدولة اتخاذ مواقف سياسية تستقيم بها الحالة السياسية والدستورية والقانونية للبلاد، وهو ما عشناه خلال مرحلة الطوارئ الصحية وفي حالة الاستثناء في عهد الحسن الثاني؛ فهذه الحالة يراد منها في نهاية المطاف ترميم بعض الاختلالات وبعض التعثرات في تنفيذ الالتزامات السياسية التي جرى التعهد بها سابقا”.
“بحكم الفصل 70 من القانون ذاته دائما، فالمجلس ينعقد لتغيير رئيسه، وهو ما يرتبط أساسا بتوافر مجموعة من الشروط، حيث ترى بعض الجماعات أن التوافق السياسي على مستواها لم يعد هناك التزام بخصوصه وفق ما تم التعهد به في مرحلة ما بعد الانتخابات”، يقول الأكاديمي اكديرة، موردا أنه “في هذه الفترة يكون هناك ضغط انتخابي على المنتخبين، سواء من جانب قرب الانتخابات أو حتى من طرف الرأي العام المحلي”.
وبيّن المتحدث كذلك أن “المادة 70 من القانون التنظيمي للجماعات المحلية تنصرف أساسا إلى الثقافة السياسية والقانونية للمنتخب، فالأمر يبقى من جهةٍ بمثابة تقديم أولي للحصيلة لدى الساكنة، بما يجعلنا دائما أمام مسطرة استثنائية في نهاية المطاف من أجل تصحيح بعض الاختلالات وتجديد الثقة وتقديم حصيلة أولية قبل نهاية الولاية، كما تبين منسوب الوفاء بالتعهدات والتعاقدات السياسية مع الساكنة وإن كان تدبير المجلس لشؤون المحليين في طريقه الصحيح أم لا”.
انفراطُ عقدِ أغلبيات
مريم أبليل، باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أكدت من جهتها أن “المادة 70 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات المحلية ترتبط أساسا بإشكاليات التحالفات بالمغرب، حيث إن أحزابا ثلاثة سعت منذ إعلان نتائج انتخابات 8 شتنبر التشريعية والجهوية والمحلية إلى تطبيق تحالفات على جميع المستويات، على الرغم من صعوبة ذلك، أولا لكون هذا التحالف لا ينبني على تقارب أيديولوجي بينها”.
أبليل بيّنت، في تصريح لهسبريس، أنه “من الصعب جدا أن يتم الحفاظ على التنسيق نفسه على المستوى المحلي كما هو على المستوى البرلماني، حيث إن التدبير المحلي يطرح أساسا مجموعة من الإشكالات لكونه ينطوي على احتكاك مباشر مع المواطنين، مما يجعل الأغلبية دائما مهددة بالتفكك، وهو ما حاول القانون معالجته عبر إقراره إمكانية تغيير التركيبة بعد انصرام ثلاث سنوات من عمر المجلس استنادا إلى الفصل 70 من القانون التنظيمي سالف الذكر”.
وأشارت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية إلى أن “فكرة تطبيق الأغلبية الحزبية نفسها على المستوى الحكومي والمحلي، هي فكرة سبق أن تمت تجربتها في بعض التجارب المقارنة، بما فيها البرازيل، غير أنها لم تنجح؛ لأن التحالفات الحكومية تكون وراءها مجموعة من الاعتبارات الرئيسة، وهو ما لا يمكن أن ينجح على المستوى المحلي، ليكون بذلك مضمون المادة 70 فرصة من أجل تعديل التوازنات على مستوى المجلس وإعادة ترتيب التحالفات”.
المصدر: وكالات