أثار حضور العديد من المثقفين الجزائريين بالمغرب في الفترة الأخيرة نقاشا حول استمرار المشهد الثقافي المغربي في “مد الجسور الثقافية مع الجزائر”، إذ لا يزال الصوت الثقافي الجزائري فنا ومعرفة يتداول بالمغرب، خصوصا بعدما حضر الروائي واسيني الأعرج لمهرجان الآداب المرتحلة في طنجة في يونيو الماضي وحضر الروائيان الجزائريان أمين الزاوي وربيعة جلطي لمهرجان ثويزا بطنجة في يوليوز المنصرم.
وفي الوقت الذي تصل فيه العلاقات بين المغرب والجزائر إلى “مستويات أكثر انسدادا”، لا يزال المثقفون المغاربة يؤكدون “على العمق المشترك للبلدين”، رغبة منهم “في إلقاء الحجرة في مياه السياسة الراكدة، ومحاولة تطهير الخطاب السياسي مما علق فيه من نزعات عدائية تنتعش أكثر في الإعلام الجزائري أكثر من أي وقت مضى”.
الأمل المتبقي
الكاتب المغربي مصطفى اللويزي قال إن “الثقافة هي الجسر الذي استمر بين المغرب والجزائر؛ فالمغاربة يستمعون حتى اليوم للراي الجزائري ويقرؤون لواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وأمين الزاوي”، مضيفا أن “المغرب استطاع أن يحافظ على هذا الرابط ولم يروج نهائيا لأي عقد متعلقة بالعداء للجزائر على المستوى الثقافي، بحيث لم يسبق أن منع وفدا جزائريا من المشاركة في أية فعاليات ثقافية لأسباب سياسية، ولم يسبق أن بيّن عدم استعداده لاحتواء الصوت الثقافي الجزائري”.
وشدد اللويزي، وهو يتحدث إلى هسبريس، على أن “الثقافة هي القطاع الحيوي الذي لا يستطيع أن يجدف على المشترك، بل بالعكس كان الخطاب الثقافي يراهن على اغتيال مفهوم القطيعة. لقد كان يعول عليه لتصويب ما يحدث في السياسة”.
وأضاف: “لكن، للأسف، حضور العديد من الفنانين والمثقفين الجزائريين بدأ يقل في المغرب بسبب إثارة النعرات في الجزائر، حتى أن تحذيرات رسمية للمثقفين صدرت هناك بعدم المشاركة في فعاليات تنظم بالمغرب”.
وقال المتحدث ذاته إن “المغرب لا يزال متجاوزا لهذه الحساسية، ولا يزال يستقبل المثقفين الجزائريين الذين لديهم استقلال فكري ومادي عن النظام الجزائري، أي الذين لا يرضخون للإملاءات السياسية وحساسيتها الظرفية”، مؤكدا أن “هناك محاولات قوية لهدم جسور الثقافة، وعلى الرغم من أن الحضور الثقافي اضحمل، فإن هذا العنصر الثقافي لا يزال قويا ويقاوم، لكونه هو الأمل الذي يراهن على المستقبل وينتصر لمصلحة الشعوب”.
وأكد المثقف المغربي أن “المشكلة السياسية ظرفية، وإقحام الفنانين والمثقفين في قرارات سياسية عقيمة وبلهاء سيؤدي إلى تجفيف كل المنابع المتبقية للتواصل”، منبها إلى أن “الخطاب الثقافي يجب أن يراهن على الشعوب، لإنهاء خطابات التبخيس والبغض السائد الذي يكرس كره كل ما هو مغربي”، وزاد: “المثقف له القدرة على إيقاف هذه الحرب الإلكترونية التي اتضح أنها صارت تجرف بالشعبين إلى بوتقة الصراع.. الثقافة هي الخلاص”.
الرمز الأقوى
دعا الباحث والكاتب المغربي سعيد ناشيد إلى “استثمار هذا الحوار الثقافي الموجود بين المؤسسة الثقافية الجزائرية ونظيرتها المغربية لأجل إفشال المخططات السياسية التي تمزق شعبا واحدا إلى اثنين”، مؤكدا أن “العلاقة التي تجمع المثقفين الجزائريين بالمغرب توضح أن الأخير كان هو الوجهة الأولى لهم منذ عقود، حتى أن منهم من عبر عن رغبته في أن يدفن في المغرب، وهذا له حمولة رمزية قوية عن علاقة المثقفين بالمغرب”.
وأضاف ناشيد، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الرمز الثقافي والفني أقوى من الخطاب السياسي، والعلاقة التي تجمع مثقفين المغرب بنظرائهم بالجارة الشرقية تؤكد عمق الهموم المشتركة والانتصار للإنسان ولخدمة قضاياه بدون أي توقيع سياسي ضيق”، مبرزا أن “القوة الناعمة التي يشكلها الخطاب الثقافي تستطيع أن تفكك حدة التشنجات وتقليص توهجها في أفق الشعوب التي تستهلك هذا الخطاب”.
وذكر الباحث بأن “عددا كبيرا من الأساتذة الجامعيين بالجزائر اعتادوا أن يجروا فترة تسمى بـ”التربص”، وضمن هذه الفترة يأتون بالعشرات سنويا للتعرف على الثقافة المغربية”، معلقا على ذلك بأنه “نوع من الإعجاب الثقافي والفكري والتاريخي العميق الذي لا يمكن أن تستأصله السياسة، وحساباتها المحدودة زمنيا ومكانيا؛ لأن الخطاب الثقافي ينتصر للعالمية”، وأوضح: “المغرب يعرف صدق تعلق المثقفين الجزائريين به”.
وأجمل ناشيد قائلا: سنترك للمشاكل السياسية بعض الوقت، وسنستفيد من هذا التبادل الثقافي في غناه وبعده الكوني والقيمي، والمغرب عليه أن يستمر في هذا التوجه وأن لا يفلت هذا الخيط القوي”، مضيفا أن “المثقفين المغاربة يرحبون دائما وفي كل مناسبة بزملائهم الجزائريين، لكون هذه الفئة النخبوية لها رؤى متقاطعة وتصورات تتجاوز الأفق المغلق للسياسة؛ لأنها تريد دائما أن تنجي الخطاب المعرفي من التغول السياسي”.
المصدر: وكالات