بدأ معهد أبحاث القنب في شيكاغو، الذي تم الإعلان عنه منذ حوالي عام ونصف العام، نشاطه الرسمي بهدف دراسة الفوائد الطبية لنبتة الماريخوانا ودورها المحتمل في علاج السرطان، بالإضافة إلى دراسة آثارها الضارة. ويسعى المعهد إلى الوصول إلى اكتشافات جديدة قد تفتح الأفق أمام استخدام القنب كعلاج فعّال للعديد من الأمراض المزمنة والخطيرة.
ويأتي التركيز الأساسي في عمل المعهد على دراسة إمكانية استخدام الماريخوانا كعلاج محتمل لأنواع معينة من السرطان. وبحسب ما أشار إليه مدير المعهد، الدكتور ريجي غودينو، هناك احتمالات كبيرة أن أنواعا من القنب تحتوي على مكونات قد تساهم في قتل الخلايا السرطانية أو إبطاء انتشارها، ويرى أن هذه الجهود قد تفتح الأبواب أمام استخدام مستخلصات القنب كجزء من العلاجات التكميلية للسرطان، وهو ما يُعتبر تحولاً جذرياً في مسار الطب الحديث.
تجربة غودينو الشخصية في هذا المجال تعود إلى عمله السابق في مختبر “ستييب هيل” في شركة “فرونت رانج بيوساينسس” في ولاية كولورادو، حيث ساعد مستخلص القنب على شفاء طفل كان يعاني من سرطان في المخ. هذه التجربة، التي وصفها غودينو بأنها لحظة مفصلية في مسيرته المهنية، تدعم رؤيته حول إمكانية تطوير المزيد من الأبحاث التي تثبت فاعلية القنب في علاج السرطانات بأنواعها المختلفة.
ويعمل معهد أبحاث القنب على بناء مختبر مرجعي في ولاية إيلينوي لتحسين دقة اختبارات الماريخوانا التجارية، التي تتفاوت في نتائجها بشكل ملحوظ. والهدف من هذا المختبر هو توفير أساس علمي دقيق لتقييم فاعلية المستحضرات المستخلصة من القنب، وضمان خلو المنتجات التجارية من الملوثات، مثل العفن. كما يعمل المعهد على دراسة تأثير فيروسات تهدد المحاصيل الزراعية، بما في ذلك فيروس “هوب لاتينت فايرويد” الذي يصيب نباتات حشيشة الدينار، وبدأ ينتشر مؤخراً في نبات القنب.
ورغم أن أعمال إنشاء المقر الجديد للمعهد لم تبدأ بعد، ومن المتوقع أن تكتمل بحلول عام 2027، إلا أن غودينو وفريقه يستخدمون مختبراً مؤقتاً في مركز إيلينوي الطبي، حيث تم استغلال مختبر سابق كان مخصصاً لاختبارات كوفيد-19. وهذا المختبر مجهز بأجهزة تسلسل الحمض النووي، التي تعد أدوات أساسية في تحليل مكونات القنب واكتشاف المركبات الفعالة فيه.
والمعهد الذي تأسس عام 2022، بالتعاون مع حكومة ولاية إيلينوي ومدينة شيكاغو، يعتمد على تمويل حكومي ومنح من مؤسسات غير ربحية، ويبتعد عن تلقي الأموال من شركات القنب التجارية لضمان الاستقلالية والحيادية العلمية.
وفي الوقت الحالي يعمل غودينو وفريقه على التقدم بطلب للحصول على منح إضافية من مؤسسات مثل معاهد الصحة الوطنية والحكومة الفيدرالية، لتمويل الأبحاث المتعلقة باستخدام القنب في علاج السرطان وغيره من الأمراض المزمنة.
ومن بين التحديات الرئيسية التي تواجه المعهد حالياً الحصول على إعفاءات من إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية لاستخدام القنب المزروع في ولاية إيلينوي لأغراض البحث. ويشير غودينو إلى أن إعادة تصنيف الماريخوانا إلى مستوى أقل تقييداً قد يساهم في تسريع عمليات البحث العلمي، خاصة أن القيود الفيدرالية الحالية تعرقل إجراء الأبحاث السريرية على البشر.
ورغم أن البحث المعملي يمثل خطوة هامة في دراسة فوائد القنب إلا أن الباحثة الشهيرة في مجال القنب الطبي الدكتورة سو سيسلي أكدت أن الأبحاث السريرية على البشر هي المفتاح الأساسي لتحديد كيفية استخدام القنب بفعالية، وشددت على ضرورة توجيه التمويل إلى الأبحاث السريرية بدلاً من النفقات الإدارية، مشيرة إلى أن “التمويل هو مجرد خطوة أولى، لكن التحدي الأكبر يكمن في الحصول على الموافقات اللازمة لإجراء التجارب السريرية على البشر، التي قد تستغرق أعواماً”.
وأضافت سيسلي أن تجربة ولاية ميشيغان، التي خصصت 40 مليون دولار لأبحاث القنب عام 2021 تُظهر أن العوائق الفيدرالية قد تعرقل التقدم حتى مع توافر التمويل. وبالتالي فإن الوصول إلى نتائج ملموسة يتطلب جهوداً مستدامة ودعماً متواصلًا لتخطي التحديات القانونية والإدارية.
ويرى غودينو أن البحث العلمي المكثف حول فوائد وأضرار القنب يمكن أن يسهم في تعزيز النقاش العام حول استخدامه الطبي، ويؤدي إلى تطوير قوانين وسياسات أكثر فعالية؛ فبفضل الأبحاث العلمية يمكن للمجتمع الطبي والجمهور العام على حد سواء فهم التأثيرات الحقيقية للقنب واتخاذ قرارات مبنية على أدلة علمية قوية.
وفي هذا السياق يعكف معهد أبحاث القنب في شيكاغو على تقديم مقترحات لإدخال تعديلات تشريعية من شأنها تسهيل الأبحاث حول الماريخوانا، بما في ذلك إعادة جدولة القنب على مستوى أقل من القيود الفيدرالية.
ومع استمرار البحث في معهد أبحاث القنب في شيكاغو يبقى الأمل معقودًا على اكتشاف طرق جديدة لاستخدام القنب الطبي في علاج الأمراض، وعلى رأسها السرطان. وبينما يواجه المعهد تحديات قانونية وبيروقراطية فإن رؤية غودينو وزملائه تستند إلى أن القنب قد يحمل إمكانيات غير مسبوقة لتحسين الصحة العامة، شريطة أن يتم دعمه بالأدلة العلمية والبحث الدقيق.
المصدر: وكالات