أكد مهندسون معماريون فلسطينيون على أهمية استلهام التجربة المغربية في مجال ترميم المباني الأثرية وأعمال رد الاعتبار لمظاهر الحياة فيها، من خلال استعراض عناصر الجمال التي تزخر بها المدينة القديمة لفاس؛ وذلك لتكون محفزا على تثمين مظاهر العمارة الأصلية بالبلدة القديمة للقدس.
جاء ذلك خلال ورشة علمية احتضنتها مدينة فاس، مساء أمس الأربعاء، تحت عنوان “بين فاس والقدس.. حماية العمارة الأثرية وصيانتها واجب مشترك للإنسانية”، والتي تم تنظيمها في إطار زيارة وفد من المهندسين الفلسطينيين من مدينة القدس للمملكة المغربية، ترأسته، صفاء ناصر الدين، الأمينة العامة لهيئة الرئاسة بجامعة القدس.
وفي مداخلتها في افتتاح هاته الورشة، التي نظمتها وكالة بيت مال القدس الشريف، بالتعاون مع وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس وجمعية فاس سايس، وبدعم من وزارة إعداد التراب والوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، أكدت فاطمة المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، على العناية الخاصة التي يوليها الملك محمد السادس لتثمين مختلف مكونات التراث المادي واللامادي للمملكة.
واستعرضت المنصوري، في كلمتها، التي ألقاها بالنيابة عنها رضا كنون، المفتش العام لقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير، برنامج عمل الوزارة حول إنجاز إستراتيجية وطنية خاصة بالمدن العتيقة والقصبات والمشاهد الطبيعية، ووضع إطار مرجعي قانوني للتدخلات في المجال، وإحداث الوكالة الوطنية للتجديد الحضري؛ وذلك وفق رؤية استباقية تهدف إلى تحسين ظروف عيش الساكنة والحفاظ على المشهد العمراني والتاريخي والحضاري للأنسجة العتيقة.
ولفتت الوزيرة، وهي تستعرض على أنظار الوفد الفلسطيني التجربة المغربية في مجال رد الاعتبار للتراث المعماري والعمراني، إلى أن عملية دعم وتثمين الإرث المعماري تقتضي توفير العديد من الإمكانات المادية والفنية والبشرية؛ وذلك من أجل أن يضطلع بدوره التنموي في المجتمع، ويحافظ على خصوصياته وأصالته في قالب معاصر يستجيب لمعطيات الحاضر.
من جانبه، توقف محمد سالم الشرقاوي، المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، في كلمة له خلال افتتاح الورشة المذكورة، عند ما حققته المملكة المغربية من إنجازات في مجال تثمين وصيانة التراث المعماري في المدن العتيقة والقصور والقصبات التاريخية، جعلت منها، وباعتراف صريح من المنظمات الدولية ذات الاختصاص، نموذجا يحتذى به في هذا المجال.
وأشار الشرقاوي، وهو يتحدث عن تدخلات وكالة بيت مال القدس الشريف، أنه، بتعليمات من الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، تعمد الوكالة إلى مقاربة التجارب الناجحة واعتمادها معيارا في تنفيذ مشاريع اجتماعية واقتصادية، يعود أثرها الملموس والمباشر على القدس وعلى أهلها المرابطين.
وتابع المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف أن ورشة فاس تعد مناسبة لمقاربة تجربة المزج بين مقومات العمارة المغربية وشقيقتها الفلسطينية، وقياس أثر هذا التلاقح في فضاءات بيت المغرب في القدس، والذي قال بأنه يشكل نموذجا معماريا متماسكا ومنسجما يعزز ارتباط المغاربة بأشقائهم في فلسطين.
وفي تصريح له لهسبريس، أفاد محمد سالم الشرقاوي بأن وكالة بيت مال القدس الشريف تتطلع، استلهاما بالتجربتين والمغربية والفلسطينية في حماية وصيانة وترميم المباني الأثرية، إلى اعتماد الوثيقة المرجعية التي أثمرت عنها ورشة فاس ضمن دليل المساطر والإجراءات المنظم لتدخلات وكالة بيت مال القدس الشريف في قطاع الترميم والإعمار بمدينة القدس.
وأضاف المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف أن الوفد الفلسطيني الذي يزور المملكة المغربية اطلع على التجربة الملهمة لوكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس في صيانة وترميم المباني الأثرية، مشيرا إلى تطلع وكالة بيت مال القدس الشريف للاستفادة منها في ترميم بعض المباني الأثرية في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس.
ومن الجانب الفلسطيني، أشادت صفاء ناصر الدين، رئيسة الوفد الفلسطيني، خلال مداخلتها في هذه الورشة، بالدور الرائد للملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في رعاية مدينة القدس، وبالعمل المهم لوكالة بيت مال القدس الشريف في دعم للمقدسيين.
وقالت المسؤولة الفلسطينية، في تصريح أدلت به لهسبريس، إن الوفد الفلسطيني، إلى جانب مشاركته في الورشة العلمية في مجال تبادل الخبرات في ترميم وإصلاح الأماكن الأثرية في القدس وفاس، يزور المغرب من أجل التعرف عن قرب على التجربة المغربية في صيانة المآثر التاريخية.
ووصفت صفاء ناصر الدين، وهي تتحدث للجريدة، التجربة المغربية في مجال ترميم والحفاظ على المآثر بمختلف المدن المغربية بالتجربة الغنية، مبرزة أن الوفد المقدسي اطلع بمدينة فاس على ورشات الترميم ووقف على أرض الواقع على كيفية إعطاء الحياة لهذه الأماكن وجعلها مصدرا للدخل ومكانا لعيش الناس.
ولفتت الأمينة العامة لهيئة الرئاسة بجامعة القدس إلى أن التجربة المغربية في مجال ترميم المدن العتيقة تستحق نقلها إلى العالم، موردة أن التجربة المقدسية في هذا المجال، رغم أنها تعترضها معيقات عديدة في ظل الاحتلال، تمكنت، بفضل التعاون بين جامعة القدس ووكالة بيت مال القدس الشريف، من ترميم بعض الأحياء الصغيرة؛ وذلك في أفق أن تساهم زيارة الوفد المقدسي للمغرب إلى تحقيق إنجازات أكبر وكسب خبرات أكثر.
وتوجت أشغال هذه الورشة، التي احتضنتها “دار التازي”، مقر جمعية فاس سايس ومؤسسة روح فاس، بصياغة وثيقة مرجعية لترميم وصيانة المباني الأثرية في القدس؛ وذلك باستلهام التجربتين المغربية والفلسطينية في هذا المجال، مع الانفتاح على تجارب راكمتها عدد من الهيئات والمنظمات الأخرى، وهي الوثيقة التي ستعتمدها وكالة بيت مال القدس الشريف ضمن دليل الممارسات الفضلى لصيانة وإعمار المباني التاريخية في القدس.
يذكر أن هذه الورشة تميزت، إلى جانب حضور خبراء من وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة ومهندسين فلسطينيين من جامعة القدس، بمشاركة “اليونيسكو” و”الإيسيسكو” ووكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس وجمعية فاس سايس والهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين بالمغرب والوكالة الحضرية لفاس.
المصدر: وكالات