معرض جديد يهتمّ بالمخطوط العربي بين المغرب والمشرق والنّهلِ من الحكمة الإنسانية تستقبله المكتبة الوطنية بالعاصمة الرباط، بعنوان “المخطوط العربي كائن متواصلٌ”، وينظمه معهد المخطوطات العربية، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو).
افتتح هذا المعرض بتزامن مع احتفالية يوم المخطوط العربي، المنظمة في دورتها الثانية عشرة، بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، بشعار “تراثنا المخطوط ومقومات التواصل الحضاري”.
ومن بين ما يُعرض حاليا بالمكتبة الوطنية مخطوطات أصلية نسخَت قديما “الرحلة المغربية” أو “رحلة العبدري”، ورحلة التمجروتي إلى تركيا مبعوثا من السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي، ونسخة أصلية مرصّعة ومذهّبة خطّت بخط مغربي مجوهر لـ”الرحلة العياشية”.
وبخط مغربي مشكول، يقرّب هذا المعرض من الزائر مخطوطا لـ”تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” أو رحلة ابن بطوطة الطنجيّ، وبخطّ أندلسي من بين المعروضات مخطوطُ ترجمة من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية عنوانه “الأدوية المضمونة التي تسمى بالتجربة الطبية”.
وبخط مغربي يُعرض بالمكتبة الوطنية بالعاصمة نَسخُ البشير بن محمد بوحدو السلاوي للفقيه محمد بن هيمة كتاب كليلة ودمنة، الذي ذُكر في ضبط مؤلّفه: “الفيلسوف الهندي بيدبا؛ ترجمه (نقله): أبو عمرو عبد الله بن المقفع، من البهلولية إلى اللغة العربية في صدر الدولة العباسية”.
وفضلا عن المعروضات المخطوطة يقدّم المعرض عبر اقتباسات من مخطوطات، تُحدّد لوحات عنوانها وكاتبها وناسخها وموضعها الحالي ورقمها، صورة عن مواقف وقضايا من التاريخ الإسلامي.
فمن “فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال” استخرج المعرض “موقف الحضارة الإسلامية من التواصل مع الآخر”؛ فقد كتب أبو الوليد ابن رشد في المخطوط المنسوخ المعروضِ اقتباسُه: “وإن كان غيرُنا قد فحص عن ذلك فبَيِّنٌ أنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله مَن تقدّمَنا في ذلك… وإذا كان الأمر هكذا، وكان كلّ ما يُحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص عنه القدماء أتمّ فحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم، فننظر في ما قالوه مِن ذلك، فإن كان كلّه صوابا قبلناه منهم، وإن كان ما ليس بصواب نبّهنا عليه”.
ومن كتاب لأبي بكر الرازي عن جالينوس يقدّم المعرض مثالا عن “اتصال الحضارة الإسلامية بتراث الأوائل”، حيث قال الرازي وفق نصّ المخطوط المعروضَة صورته: “إنّي لأعلم أن كثيرا من الناس يستجهلونني في تأليف هذا الكتاب، وكثيرا منهم يلومونني ويُعنّفونني، أو كان يجري إلى تحليتي بِحِلية مَن يقصد باستغنام واستلذاذ منه لذلك إلى مناقضة رجل مثل جالينوس في جلالته ومعرفته وتقدّمه… وبودّي – يشهد الله – أنّ هذه الشكوك التي أذكرُها في هذا الكتاب لم تكن في كُتب هذا الرجل الحَبر الفاضل العظيم قدرُه… لكنّ صناعة الطبّ والفلسفة لا تحتمل التسليم للرؤساء والقبولَ منهم، ولا مساهلتَهم، وتركَ الاستقصاء عليهم”.
كما تُقدّم أمثلة أخرى بما كتبه الحسن بن الهيثم عن بطلميوس: “الحق مطلوب لذاته، وكل مطلوب لذاته فليس يعني طالبه غير وجوده، ووجود الحق صعب، والطريق إليه وعر، والحقائق منغمسة في الشُّبهات، وحسن الظن بالعلماء طباع في جميع الناس… وما عصم الله العلماء من الزلل، ولا حمى علمهم من التقصير والخلل (…) ولما نظرنا في كتُب الرجل المشهور بالفضيلة، المتفنّن في المعاني الرياضية، المشار إليه في العلوم الحقيقيّة، أعني: بطلميوس القلوذي، وجدنا فيها علوما كثيرة، ومعاني غزيرة… ولما خصمناها وميّزناها، وتحرّينا إنصافه وإنصاف الحقّ منه، وجدنا فيها مواضع مشبهة، وألفاظا بشعة، ومعاني متناقضة، إلا أنها يسيرة في جنب ما أصاب فيه من المعاني الصحيحة. فرأينا أن في الإمساك عنها هضما للحق، وتعدّيا عليه، وظُلما لمن ينظر بعدنا في كُتبه في سَترنا ذلك عنه…”.
كذلك قدم مثال بتحرير نصير الدين الطوسي لكتاب بطيلموس في علم الفلك، ثُمَّ تحريرِه “أصول كتاب الهندسة والحساب” المنسوب إلى أقليدس، مع إيراد شيء من تعليقِه على الثاني: “أحرّر (…) بإيجاز غير مُخلّ، وأستقصي في تثبيت مقاصده استقصاء غير ممل، وأضيف إليه ما يليق مما استفدته من كُتب أهل هذا العلم، أو استنبطته بقريحتي”.
وللتمثيل على تواصل المخطوط العربي يستحضر المعرض مثال “المُغرب في حُلى المَغرب” الذي ألّفه ستة من أسرة من بني سعيد الأندلسيين “تعاقبوا على تأليفه وتنقيحه وإكماله على مدار 115 عاما، آخرهم: علي بن موسى بن محمد؛ ويضم في الأصل خمسة عشر سفرا، ستة منها لمصر، وثلاثة لبلاد المغرب، وستّة للأندلس”.
ويقف المعرض أيضا عند اتصال المغرب بالمشرق، عن طريق نماذج من قبيل رواية يحيى بن يحيى الليثي لموطّأ الإمام مالك، ونَسخِ مخطوطات أخرى.
وباقتباس من كتابِ المؤرخ ومحلّل نفسية الجماهير غوستاف لو بون “حضارة العرب” يحتجُّ المعرض لتراثه المعروض: “وكلما أمعنا في درس حضارة العرب، وكتبهم العلمية، واختراعاتهم، وفنونهم، ظهرت لنا حقائقُ جديدةٌ وآفاق واسعة، ولسُرعان ما رأينا أن العرب أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وأن جامعات الغرب لم تعرف لها، مدة خمسة قرون، موردا عليما سوى مؤلفاتهم، وأنهم هم الذين مدَّنوا أورَبَة (أوروبا) مادة وعقلا وأخلاقا، وأن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يَفُقهُم قوم في الابتداع الفني”.
المصدر: وكالات