معرض تكريمي يقدّم المنجز العلمي لـ”عميد الدراسات الأدبية المغربية”، و”رائد الدراسات الشعبية المغربية”، الراحل عباس الجراري، تستقبله مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بمدينة الدار البيضاء، مرفقا مع بيبليوغرافيا رقمية تضم، بلغات متعددة، عناوين أعماله المنشورة كتبا ودراسات، وترجماتها، وما كتب حولها.
ويقول دليل المعرض، الذي أعده محمد القادري، إن عباسا الجراري “ينتمي إلى جيل من المثقفين المغاربة المخضرمين ممن عاصروا فترتي الحماية والاستقلال”، وجمع في مسيرته “بين كونه أستاذا جامعيا، ومؤطرا ملهما، وباحثا منفتحا، فضلا عن مساهمته السياسية سواء في وزارة الخارجية (خلال الستينيات) أو في الديوان الملكي”.
ويضيف الدليل أن الأكاديمي “تلقى تعليمه الأولي على يد والده الفقيه والمؤرخ عبد الله الجراري، أحد أعلام الحركة الثقافية المغربية، فحفظ القرآن الكريم وتلقى عنه مبادئ العلوم العربية والدينية، ثم ولج مسالك التعليم النظامي، إلى أن قرر سنة 1956 استكمال تعليمه الثانوي بمصر، حيث حصل على شهادة البكالوريا (1957)، ثم التحق بجامعة القاهرة، فنال الإجازة في اللغة العربية وآدابها (1961)، ثم الماجستير (1965) فدكتوراه الدولة (1969)”.
خلال هذه المرحلة، يواصل المعرض، تابع الفقيد بجامعة السوربون بين سنتي 1961 و1962 محاضرات “أعلام المستعربين الفرنسيين أمثال ريجيس بلاشير، وشارل بيلا، وروبير برنشفيك، وهنري لاووست، وجاك بيرك”، علما أنه التحق سنة 1965 بهيئة تدريس جامعة محمد الخامس بالرباط.
ويوثق معرض مؤلفات الجراري “مساهمته الحاسمة في إنشاء شعبة الدراسات المغربية العليا بكلية الآداب بفاس عام 1971، ثم شعبة اللغة العربية وآدابها بالرباط عام 1973-1974″، وتعيينه عام 1982 مديرا للدراسات الجامعية العليا لتكوين أطر التدريس في شعبة الأدب العربي.
ويسترسل دليل المعرض: “طور عباس الجراري إطارا نظريا لدراسة الأدب المغربي، مستصحبا أثرا نابضا من إرث الوطنية الثقافية المغربية ووهَج التجربة الثقافية المصرية، التي عايشها عن قرب خلال سنوات دراسته بمصر بين 1956 و1970؛ فعكف في كتاباته على إبراز (الخصائص الحقيقية للذات المغربية) في الثقافة والدين والسياسية؛ فوجه عنايته لدراسة الأدب المغربي، مستندا إلى مفهوم (البيئة الإقليمية)، الذي لا يعني انحصارا في محلية ضيقة، بل اعتبار الإقليمية وسيلة أساسية (للم شتات الأدب العربي في كل الأقطار التي أبدعته)”.
ولم يعتبِر الجراري الأدبَ “شعرا ونثرا فنيا فقط” بل شاملا لـ”(كل الإنتاج الفكري) قديما وحديثا”، علما أن إضافته النوعية هي: “عنايته الجامعة بين الأدب (المثقف) والأدب الشعبي؛ فهو لم يَقصُر الأدب في مفهومه (المدرسي) المكتفي بفصيح الكلام المعياري، بل أردفه بما أنتجته الذاكرة الشعبية مما سمي أدبا شعبيا مصوغا بعامية مغربية عريقة الأزمان، متنوعة المذاق، حسب المناطق والجهات، وقد وجد أنه أصدق تعبيرا عن (الشخصية الوطنية المغربية)، وأوضح من (الصورة التي يعكسها الأدب المدرسي المثقف)”، وهذه “مساهمة نوعية بالنظر إلى ما كان سائدا في أوساط الجامعيين من ازدراء (للتراث الشعبي)”، وفق المصدر ذاته.
ويتطرق المعرض إلى “الأطروحة الرائدة” التي أنجزها الجراري عن شعر الملحون في المغرب أواخر ستينيات القرن العشرين؛ لأنها “كانت أطروحة مؤسسة لدراسات التراث الشعبي في الجامعة المغربية”، قبل أن يعززها بـ”إصدارات متوالية شملت مكونات هذا التراث عنده (الفنون والعادات والأدب)؛ فكتب عن الموسيقى والغناء بالأندلس، وعن فن الملحون، وعن احتفالات المولد النبوي وعادات عاشوراء؛ كما عزز هذا الحقل بتأطيره النشيط لأطاريح ورسائل جامعية غطّت جوانب متنوعة من التراث الشعبي المغربي، إلى أن توج هذا المسار بإشرافه على مشروع (موسوعة الملحون) الذي رعته أكاديمية المملكة المغربية، ونشر منه بين 2007 و2018 أحد عشر ديوانا (من 6932 صفحة) لأعلام شعر الملحون المغاربة الذين ينتمون لفترات تاريخية مختلفة”.
وفضلا عن “الدراسات الأدبية المغربية الأندلسية” ساهم الجراري “في الكتابة عن قضايا الثقافة المغربية الراهنة، مثل الهوية والتنمية والعولمة، كما كتب في الفكر الإسلامي المعاصر من مداخل مكونات الشخصية الدينية والوحدة المذهبية للمغاربة، وعن الوسطية والتعايش والتعددية الدينية وضرورة التحديث، كما كتب السيرة الذاتية والرحلة والشعر”.
تجدر الإشارة إلى أن عباسا الجراري الذي رحل عن دنيا الناس يوم 20 يناير الجاري قالت رسالة للملك محمد السادس إن وفاته “خسارة (…) للمغرب الذي فقد برحيله شخصية أكاديمية فذة مشهود لها بغزارة العطاء في المجالات العلمية والأدبية والدينية”، مع استحضار “ما كان يتحلى به الفقيد من دماثة الخلق، ومن خصال رجال الدولة الأوفياء والعلماء الأجلاء، ومن غيرة وطنية صادقة (…) واحترام وتقدير كبيرين من لدن المثقفين والأكاديميين في المغرب وفي العالم العربي والإسلامي، فضلا عما كان يتمتع به من نزاهة فكرية وكفاءة عالية، واقتدار مكين في سائر المهام الجامعية والسامية التي أنيطت به”.
المصدر: وكالات