لم يُبدِ التيار الإسلامي بالمغرب أية مرونة بخصوص مطالب مراجعة نظام الإرث في مراجعة مدونة الأسرة التي تواصل الهيئة المكلفة من لدن العاهل المغربي الملك السادس بجمع المقترحات بشأنها، حيث لم تكتف برفع “الفيتو” في وجه مطالب المساواة التي تنادي بها الجمعيات والأحزاب ذات التوجه الحداثي؛ بل رفض بعضها المساس حتى بالتعصيب، الذي تثار حوله الكثير من الانتقادات.
وأجمعت جل مكونات التيار الإسلامي، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح، على رفض أية تعديلات تتعارض مع النصوص الدينية القطعية؛ كما هو الحال في الإرث، وهو الرأي الذي تبنته جماعة العدل والإحسان المعارضة.
الموقف الصارم الذي عبر عنه المنتمون إلى التيار الإسلامي يقابله شبه إجماع لدى فرقائهم المنتسبين إلى اليسار المغربي على المطالبة بالمساواة في الإرث واعتباره نظاما “مجحفا” في حق المرأة المغربية، مشددين على ضرورة إعادة النظر فيه وفتح الباب أمام الاجتهاد لتصحيح الوضع “المختل” حسب وجهة نظرهم؛ الأمر الذي يرفضه الإسلاميون بشدة، ما ينذر بمعركة جديدة تلوح في الأفق بين التيارين المختلفين بالمملكة.
المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة اعتبر، في قراءته للموضوع، أن هذه “ليست المرة الأولى التي تتم فيها المواجهة بين التيارين، وكانت هناك سوابق تبين من خلالها أن المغرب كمجتمع استطاع أن يتجاوز هذه الحالات من خلال التوافقات”.
وأضاف العمراني بوخبزة في تصريح لهسبريس: “نحن نقول إننا نحسن تدبير الاختلاف، ونصل إلى التوافقات في آخر المطاف؛ لأنها تسمح بالاستمرار”، مذكرا بأنه خلال سنة 2004 عاش المغرب “الوضعية نفسها، وكان هناك حديث عن مجموعة من الأمور التي لم تكن في الحقيقة صحيحة، وكانت جمعيات محسوبة على الخط الحداثي ترفع السقف عليا، والاتجاهات والتنظيمات المحسوبة على التيار ذي المرجعية الدينية كذلك يرفع السقف… وفي آخر المطاف، تكون هناك توافقات”.
وزاد المتحدث ذاته موضحا: “كان دائما لدينا هذا النقاش وكانت ملفات صعبة ما بين الأطراف؛ ففي دستور 2011، عرفنا أنه كان فيه نقاش حول بعض النقط المتعلقة بإمارة المؤمنين أو تلك المتعلقة بشخص الملك مقدس. وفي آخر المطاف، كان الاحتكام إلى التحكيم الملكي”، واستدرك: “لكن ربما أن هناك تحصينات لتدبير هذا النوع من القضايا، هناك المجلس العلمي الأعلى المعروف بأن لديه يدا في هذا المجال؛ لأنه مرتبط بمسألة الاجتهاد والفتوى، وكذلك هناك دور إمارة المؤمنين المرتبطة بمرجعية الدولة إلى غير ذلك”.
وتابع المحلل السياسي مفسرا: “هناك الجانب المتعلق بالتحكيم المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، وأن الملك يمكنه أن يقوم بعملية التحكيم الذي يحظى في الغالب بقبول كل الأطراف”.
وذكر المتحدث ذاته بأن المرجعية التي تشتغل من خلالها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة مرتبطة بـ”التوجيهات الملكية، والأمر واضح بالنسبة لجلالة الملك هو أنه لن يحلل ما حرم الله ولن يحرم ما أحل الله، وهذا كان إشارة كبيرة صراحة إلى توجيه عمل الهيئة؛ وبالتالي فعندما نتحدث عن الإرث، فهناك نصوص قطعية.. وبالتالي، لا أظن أن الهيئة كيفما كان نوعها ستحاول أن تثير هذه المشاكل؛ ولكن هناك بعض الأمور التي تقبل الاجتهاد”.
ولم يستبعد العمراني بوخبزة أن تفتح الهيئة باب الاجتهاد في بعض الأمور “خاصة التعصيب، وهذه من الأمور التي ربما قد يكون فيها اجتهاد من قبل الهيئة ربما للاتجاه نفسه الذي أخذته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، حيث إنها منحت القاضي إمكانية إجراء بحث في هذه المسألة المتعلقة بالتعصيب”؛ ولكن فيما يخص النقط الأخرى “أظن أن المرجعية التي تشتغل داخلها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة والخطابات الملكية واضحة في هذا المجال”.
من جهته، تساءل خالد الشيات، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، حول حقيقة اعتبار معارضة مطالب المساواة في الإرث موقفا لـ”الإسلاميين أم موقف ديني عام يتجاوز جماعة معينة داخل الدولة باعتبار أن الدين الإسلامي هو دين الدولة؟”، مؤكدا أن وجود الإسلاميين السياسي والثقافي والفكري والاقتصادي “مرتبط باحترام قواعد الشريعة داخل المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية”.
وأفاد الشيات، في تصريح لهسبريس، بأن تغيير الخطاب الإسلامي “من هذا المستوى إلى مستوى آخر سيكون مكلفا على كل المستويات، وهذا أمر أعتقد أنه ينضبط للمنطلقات الدينية التي يؤمنون بها كمجموعة بشرية داخل المجتمع المغربي”.
وسجل المحلل السياسي والأستاذ الجامعي أن التساؤل حول هل هناك استعمال لهذه المسألة على المستوى السياسي يبقى مشروعا، مبرزا أن هناك “غايات سياسية من وراء الدفاع عن عدم المساواة في الإرث، إذ من المفترض إذا كانت جماعة دينية أن تترك هذا المجال لإمارة المؤمنين الجهة الوحيدة المنوط بها البت وإصدار الفتوى في المسألة الدينية من خلال المجلس العلمي الأعلى”.
وتابع موضحا أن إقحام النقاش على المستوى المجتمعي “لا ينبغي أن يكون متورطا في هذا النوع من الجدال إذا كانت المرجعية إسلامية، ولا بد أن تكون هناك غايات سياسية من وراء هذا الأمر؛ لأن غالبية المجتمع المغربي محافظ”، مسجلا أن هذا التيار قد يحقق بعض “النقاط الأساسية فيما يتعلق بالجانب الانتخابي والسياسي أو الحزبي، أو الجانب المندفع تجاه ما يرتبط بوجود الدولة عموما كما هو الحال بالنسبة لجماعة العدل والإحسان وغيرها من الأهداف ذات الطبيعة السياسية”.
وأشار الشيات إلى أن هناك تحديات حقيقية على المستوى الخارجي تواجه المغرب في هذا المجال، وهي “توجب عليه ملاءمة تشريعاته الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، وهذا أمر يجد فيه صعوبة؛ لأنه يتناقض من ناحية مع قيام الدولة على أساس ديني ولا سيما إمارة المؤمنين”، معتبرا أن هذا التحدي يكمن في الفجوة التي يمكن أن تحدث على مستوى “المجتمع المغربي من انشطار كبير على قد يؤدي إلى انشطار على المستويين السياسي والاجتماعي”، حسب تعبيره.
المصدر: وكالات