أوضح مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي السابق بجبهة البوليساريو، أن مشكل الصحراء المغربية لم يبدأ سنة 1975، وأنه غير مرتبط بالبوليساريو كما يريد البعض اختزاله، مبرزا أن حل هذا النزاع يقع على عاتق دول الجوار الثلاث بالتساوي.
وأضاف ولد سيدي مولود، في مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”المسكوت عنه في نزاع الصحراء”، أن مظلمة الصحراويين ليست وليدة استقلال دول المنطقة، مؤكدا أن مطلبهم في إيجاد تسوية لقضيتهم لا ينبغي أن يوجه إلى المغرب لوحده، لكون المغرب مثله مثل الجزائر ورث نصيبه من الصحراء والصحراويين كما ورث جيرانه نصيبهم.
وهذا نص المقال:
ظهر الرئيس الجزائري، مؤخرا، في خطاب متلفز يتحدث عن خيارات الصحراويين في تقرير المصير، وقد استبعد منها احتمالية أن يكونوا جزائريين، ولم يستبعد أن يكونوا مغاربة أو موريتانيين إذا اختاروا ذلك. وينكر كل ساسة الجزائر وعسكرها على المغرب أن يقول مثل قولهم ولا يعترف بتقرير مصير لا يخدم مصالحه. وقد تقول موريتانيا نفس القول وتزيد عليه أن لا ناقة لها ولا جمل في الصحراء. وتبقى قضية تقرير مصير الصحراويين وإيجاد تسوية للمسألة الصحراوية عالقة، وكرة تتقاذفها الأرجل ولا يراد لها أن تأخذ سبيلها نحو الشباك.
مشكل الصحراء لم يبدأ سنة 1975، وغير مرتبط بالبوليساريو كتنظيم تأسس سنة 1973، كما يريد البعض اختزاله. ومسؤولية حله تقع على عاتق دول الجوار الثلاث بالتساوي. فجذوره تعود إلى 27 أكتوبر 1900 حينما وقعت فرنسا وإسبانيا اتفاقية حدود بين مستعمراتهما المستقبلية، ورسمتاها بخط أفقي يمتد شرقا من رأس شبه جزيرة لكويرة/نواذيبو إلى تقاطع خط طول 12° غربا وخط عرض 26° شمالا (عند بلدة شوم الموريتانية حاليا)، واستكملتاها باتفاقية 3 أكتوبر 1904، التي مدتا فيها خط الحدود في اتجاه الشمال إلى ما يعرف اليوم بنقطة ملتقى الحدود الثلاثية عند الكيلومتر 75 من تيندوف.
حينها لم يكن التواجد الإسباني في الصحراء يتعدى شبه جزيرة الداخلة على الساحل الأطلسي في الغرب. ولم تكن فرنسا قد تجاوزت حدود الشاطئ الشمالي لنهر السنغال في الجنوب ولا حدود كولون بشار في الشرق. ما يعني أن رسم الحدود كان جزافيا وغير مبني على دراسة على الأرض.
وبعد مرور أزيد من قرن وعقدين على رسم تلك الحدود ما زال يصعب على أي كان تمييز شطرها الجزائري من الموريتاني من الصحراوي المتنازع عليه، لأنها خطوط وهمية رسمت دون الاستناد لأية قاعدة جغرافية. كما لا يمكن تمييز الأراضي التي ورثتها كل دولة عن الاستعمار بحكم امتدادها الطبيعي وتماثلها التضاريسي وطبيعتها المناخية في جهتي الحدود، كذلك الحال بالنسبة للسكان، فلا تجمعهم فقط نفس الثقافة والدين والعرق الواحد، بل جلهم من قبيلة واحدة كانت مترابطة ومتلاحمة وما زالت.
حكومات الدول التي ورثت السيادة عن المستعمر لم تراع هذه الإشكالية، وكرست تقسيم الصحراويين ومناطق انتجاعهم كما رسمها الفرنسيون والإسبان من قبل أن تطأها أقدامهم عام 1900. في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وفي ما يشبه التكفير عن ذنب المشاركة في تقسيم الجسم الصحراوي، أظهرت هذه الحكومات نوعا من التضامن في مطالباتها بتصفية الاستعمار من الإقليم، قبل أن ينفرط عقد توافقها وتتحول قضية تقرير مصير سكان الصحراء إلى شماعة وورقة مساومة بينها، كل حكومة تريد أن تحقق من خلالها مصلحة ضيقة أنانية على حساب الأخرى، فأتبع حاضر الصحراويين لماضيهم. وازدادوا تقسيما فوق ما كانوا مقسمين، ولكن هذه المرة أشد قسوة وإيلاما. فقد كان ذلك بأيادي إخوتهم في الجغرافيا والدم واللغة والدين، وتحت إكراه القنابل والرصاص.
واقع مر يتناساه الجميع اليوم في حديثهم عن السبل الكفيلة بحل نزاع الصحراء وتقرير مصير صحراويين حولوا إلى جمرة تتقاذفها دول المنطقة، كل يدفع بها نحو الآخر بقصد إحراقه لا بنية المساعدة في إطفائها. فالصحراويون كانوا ضحية تقسيم استعماري ورثته دول لم تراع فيهم إلاًّ ولا ذمة حينما تبنتهم كمواطنين لديها بموجب معاهدات وقعتها حكوماتها مع المستعمر. بل واحتفلت كل سلطة باستقلالها المزعوم المؤسس في جزء منه على تقسيم العائلات وتمزيق النسيج الاجتماعي الصحراوي.
وما زال جلهم بعد مرور قرابة نصف قرن على اندلاع نزاع الصحراء سنة 1975 لا يخجل من ادعاء أنه يدعم حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، وكأنه غير معني به، وليس شريكا في المأساة الصحراوية التي تسبب فيها الاستعمار وورث عنه نصيبا منها كغنيمة حرب أو مكافأة محاباة. الصحراويون من حقهم أن تجد مشكلتهم سبيلها للحل. والحل لن يكون ما لم تشارك فيه جميع دول المنطقة بنفس الدرجة. وكلها معنية بالمشكل وتترتب عنها مسؤولية في الحل.
فالذين يحملون أعلام البوليساريو في تيندوف مطالبون باستقلال الساقية الحمراء ووادي الذهب وتدعم الجزائر مطلبهم، فيهم الآلاف من أبناء عمومتهم الذين ورثتهم الجزائر وموريتانيا من اقتطاع أراضي ولايتي تيندوف الجزائرية حاليا وتيرس زمور الموريتانية، وضمهما إلى حدود الدولتين حديثتي النشأة والاستقلال، وقد كانت مناطق وأراضي تنتجعها غالبية صحراوية بمفهوم هذه الدول اليوم للصحراويين، وقبل أن تصبح دولا.
مظلمة الصحراويين ليست وليدة استقلال دول المنطقة، ومطلبهم في إيجاد تسوية لقضيتهم لا ينبغي أن يوجه إلى المغرب لوحده. فالمغرب مثله مثل الجزائر ورث نصيبه من الصحراء والصحراويين كما ورث جيرانه نصيبهم، وبنفس الكيفية (اتفاقيات ثنائية مع المستعمر السابق). وعاجلا أو آجلا ستثار هذه المسألة لدى كافة دول المنطقة مع تزايد الوعي في صفوف الصحراويين بأن قضيتهم لا يجب أن تبقى دون حل، ورهينة أمزجة أو حسابات حكومات لا تحس بإحساسهم ولا تراعي مصلحتهم كما تراعي مصالحها، خاصة مع انتهاء جيل التأسيس في البوليساريو، الذي حجب التاريخ الصحراوي وأسس لتأريخ يبدأ مع ميلاد الجبهة سنة 1973، محاباة للحلفاء الذين لا يخدمهم أيضا النبش في تاريخ المنطقة قبل وأثناء فترة الاستعمار.
وقد بدأت أولى رسائل الصحراويين المقتطعين من الصحراء تصل دول المنطقة باعتماد الجزائر موسما سنويا لقبيلة الرقيبات في تيندوف، كما يستعد أبناء عمومتهم في موريتانيا للتأسيس لموسم سنوي يجمعهم في شمال موريتانيا. وأمام هذه الحالة ليس هناك من تسوية للمسألة الصحراوية التي ورثتها المنطقة كإشكال ومعضلة عن فترة الاستعمار غير أن:
1- تجتمع حكومات الدول الثلاث: المغرب والجزائر وموريتانيا على حل يضمن اندماج الصحراويين، كل في بلد موطنه الأصلي، بما يحقق لهم الكرامة ويصون حقوقهم كاملة، بما في ذلك جبر الضرر الفردي والجماعي عن سنوات النزاع الذي شاركت فيه كل دول المنطقة وإن تفاوتت المسؤوليات.
2- تقتنع دول الجوار أن استمرار نزاع الصحراء مكلف ويعيق تكامل المنطقة وينقص نقطتين سنويا من معدل نموها، وأن حله خيار ضرورة والضرورة تبيح المحظور. وتتحلى بإرادة الحل وتبين عن صدق نيتها في معالجة الضرر الذي ألحقه الاستعمار بالصحراويين، وتتخلى عن تركته، وتعيد تجميع أراضي الصحراويين من تيندوف شرقا إلى أطار جنوبا إلى واد نون شمالا في كيان واحد، تحت إدارة واحدة، يتفاوض على سلطاته وعلاقته بمحيطه، بما يحقق التكامل بين دول المنطقة. وهو كيان قابل للحياة له موانئ وموارد طبيعية هائلة مقارنة بعدد السكان، خاصة بعد ضم مناجم غار اجبيلات في منطقة تيندوف ومناجم حديد شمال موريتانيا إلى مناجم فوسفاط بوكراع في الساقية الحمراء.
3- تعي دول الجوار والصحراويين أن حل الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب هو حل مثالي وواقعي ويجنب الجميع استمرار صراع مؤلم أو حلول أشد إيلاما، وينخرط فيه الجميع بحسن نية ومسؤولية خدمة لصالح المنطقة.
4- تدخل المنطقة عاجلا أو آجلا في دوامة من العنف ترجعها قرونا إلى الوراء، وتعيد ربقها بحبال الاستعمار القديم فوق ما هو واقع لها.
المصدر: وكالات