في سياق السباق المحموم نحو البيت الأبيض، واشتداد الصراعات العسكرية والجيوسياسية في الشرق الأوسط، جاءت مخرجات اجتماع وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، بعد تباحث “الجهود الرامية إلى الدفع بالسلام الإقليمي والدولي وتعزيز الشراكة الأمريكية- المغربية”، وفق بيان للخارجية الأمريكية.
مخرجات الاجتماع ونقاشاته، التي جاءت استمرارا للمشاورات السياسية الدائمة بين البلدين تناولت مختلف محاور الشراكة الاستراتيجية المغربية- الأمريكية، وكذا العديد من القضايا الإقليمية والدولية. كما استأثرت باهتمام عدد من المتابعين والمحللين، خصوصًا في ذكرى تخليد البلدين الذكرى الـ20 لحدثين بارزين في علاقاتهما: اتفاقية التجارة الحرة، وهي الاتفاقية الوحيدة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دولة إفريقية، و”مناورات الأسد الإفريقي”، وهي أكبرُ تمرين عسكري أمريكي في القارة.
ووفق خلاصات الاجتماع المعلَنة في بيان رسمي، فإن “الدور الحيوي الذي يلعبه الملك محمد السادس في تعزيز السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط” كان محط تنويه في ظل استجابة المغرب “للاحتياجات الإنسانية في غزة، ودعم إرساء الاستقرار في الضفة الغربية، والمساهمة في إحياء السلطة الفلسطينية”.
ترحيب بلينكن بما وصفه بيان الخارجية الأمريكية “الجهودَ المتواصلة التي تبذلها المملكة المغربية لإنهاء الجمود السياسي في ليبيا ومعالجة انعدام الاستقرار في منطقة الساحل”، لم يكن خافياً، مجدداً موقف “الولايات المتحدة التي ما زالت تعتبر مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب طرحا جديا وموثوقا وواقعيا ومقاربة محتملة تلبي تطلعات شعب الصحراء”.
“مصالح متقاربة رغم التغيرات”
تعليقا على الموضوع، قال هشام معتضد، الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية، إن “العلاقات بين المغرب وأمريكا تشهد تطوراً استراتيجياً يعكس التوافق المستمر والمتبادل، خاصة في المجالات الأمنية والدبلوماسية”، مبرزا أن “هذا التحالف يعزز مكانة المغرب كشريك استراتيجي للولايات المتحدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تبقى مصالح البلدين متقاربة بغض النظر عن التغيرات السياسية في واشنطن”.
وأوضح معتضد لهسبريس أن “الانتخابات الرئاسية الأمريكية، رغم حساسيتها، لا تؤثّر بشكل جوهري على الأسس العميقة لهذه العلاقة، التي تستند إلى عقود من التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي”، لافتا إلى أن “التقارب الأمريكي المغربي يأتي أيضاً في سياق رغبة واشنطن في توسيع نفوذها في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، حيث تلعب الرباط دور الوسيط المحوري.. وسواءٌ كانت الإدارة القادمة ديمقراطية أو جمهورية، سيستمر دعم مغربية الصحراء كجزء من استراتيجية أوسع للحفاظ على استقرار المنطقة وتعزيز الاستثمارات الثنائية”، قبل أن يضيف أن “الانتخابات الحالية في أمريكا لن تكون عاملاً مهدداً لاستمرارية هذا الدعم، بل قد تشهد تعزيزاً له مع توجهات جديدة”.
“تستفيد واشنطن من دور المغرب كحليف موثوق في مواجهة التحديات الأمنية العابرة للحدود، مما يرسخ الشراكة بين البلدين”، يتابع معتضد، مشيرا إلى أن “الحملة الانتخابية الجارية في الولايات المتحدة قد تأتي بمبادرات جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري، لكن الثقة المتبادلة بين البلدين ستظل ثابتة. التحديات الأمنية في الساحل وليبيا تجعل من الضروري للولايات المتحدة الاحتفاظ بموقف ثابت تجاه دعم المغرب في قضاياه الإقليمية”.
“دور نشط في ملفات حساسة”
من جهة أخرى، يرى الخبير في العلاقات الدولية أن “الرباط تدرك جيداً كيفية الحفاظ على هذه العلاقة، خاصة من خلال لعب دور نشط في الملفات الإقليمية الحساسة. الانتخابات الأمريكية، وإنْ كانت فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، لن تؤدي إلى تحولات درامية في الشراكة المغربية- الأمريكية، بل على العكس قد تكون فرصة لتعميق التعاون، خاصة في الملفات المرتبطة بالتنمية والاستقرار الإقليمي”.
وتابع قائلا: “تجديد الولايات المتحدة ثقتَهَا في المغرب كشريك أساسي في دعم الاستقرار الإقليمي يؤكد الدور القيادي الذي تلعبه الرباط في عدة ملفات إقليمية، حيث تمتلك استراتيجية شاملة تستهدف معالجة الأزمات بطرق سلمية ومستدامة، سواء في منطقة الساحل أو ليبيا. هذه الاستراتيجية تتماشى مع المصالح الأمريكية، التي تركز على مكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز التنمية، وهو ما يجعل المغرب حليفاً استراتيجياً لا غنى عنه لواشنطن في المنطقة”.
في تفاصيل الملفات الحساسة إقليمياً يواصل المغرب “جهوده الدبلوماسية في تقريب وجهات النظر بين الفصائل الليبية المتنازعة”، يضيف المتحدث، الذي أكد أن الرباط “تلعب دوراً محورياً في تحقيق الاستقرار الذي تسعى الولايات المتحدة إلى دعمه”، مبرزا أن “التنسيق المستمر في هذا الملف يعزز ثقة واشنطن في قدرة المغرب على لعب دور مؤثر في إنهاء النزاعات الإقليمية التي تهدد الأمن القومي الأمريكي”.
أما “منطقة الساحل فما زالت تحدياً أمنياً كبيراً، والمغرب يشارك بفعالية في المبادرات الإقليمية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب”، يتابع معتضد، لافتا إلى أن “هذه الجهود، التي تدعمها واشنطن، تعزز الاستقرار في المنطقة وتحد من انتشار الجماعات المتطرفة، في حين يعكس التزام المغرب بدعم الاستقرار نضجه كفاعل إقليمي محوري، مما يُحتّم تعزيز التعاون بين الرباط وواشنطن للحفاظ على التوازن الأمني بالمنطقة”.
وفيما يخص الشرق الأوسط وفلسطين، قال الباحث ذاته إن “المغرب يحتفظ بدوره كوسيط معتدل يسعى إلى إيجاد حلول سلمية تعزز من استقرار المنطقة. دعمُ واشنطن للمغرب في هذا السياق يعكس رغبتها في الحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط، خاصة في ظل الأزمات المستمرة. الشراكة المغربية- الأمريكية في هذا الملف تؤكد التزام الرباط بدور بنّاء في تحقيق الاستقرار الإقليمي”.
“استقرارٌ وتطور لا تشوبه الأزمات”
من جانبه يرى خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن “العلاقات المغربية الأمريكية عرفت استقرارا وتطورا”، لافتا إلى أن هناك “مرات قليلة عرفت فيها أزمات أو تأزُّما، ويمكننا اعتبارها من أفضل العلاقات الخارجية التي نسَجها المغرب عمومًا”.
شيات بسَط، في تصريح لجريدة هسبريس، الجوانب التي تُعزز علاقات الرباط – واشنطن، مشيرا إلى أنها “ذات طبيعة تاريخية باعتبار التعاون المغربي- الأمريكي يمتد منذ الحرب الباردة إلى اليوم، مما يعطي المغرب وضعيته كشريك موثوق فيه ومستمر على المستوى العملي والواقعي، مع محوريته كشريك أساسي مضمون على المستوى الاستراتيجي الأمريكي على المستويات الاقتصادية”.
وتابع قائلا: “هناك استقرار وتطور على مستويات متعددة، بما فيها التعاون التجاري، خاصة بعد توقيع اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة قبل 20 سنة تقريبا، التي من خلالها تضاعف حجم التجارة الخارجية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية”.
“التوافق السياسي والدور الإقليمي”
في هذا المستوى يرى الأستاذ الجامعي أن التوافق يشمل قضايا دولية وإقليمية”، لافتا إلى أن “البلدين يتقاسمان نزعة واحدة فيما يتعلق بهذه القضايا، سواء تعلق الأمر بالقضايا ذات الطبيعة الدولية أو الإقليمية، وتعزز كل هذا بالمستوى السياسي الثنائي بعد اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء والتعهد بإقامة قنصلية بمدينة الداخلة. تضاف إليها ممارسات متواترة كما هو الحال بالنسبة لمناورات الأسد الإفريقي وغيرها من أشكال التعاون الأمني في محافل ومنتديات ومجالات متعددة”.
وأضاف أن “المغرب مُتموقع في قلب الاستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق بمجموعة من القضايا الخاصة بإفريقيا أو الشرق الأوسط”، مبرزا أن “الثقة في الدور المغربي إقليميا، خصوصا على المستوى الإفريقي، مؤشر عاكسٌ لوجود المغرب في قلب الرؤية الأمريكية لأنه يعمل على ضمان المصالح الأمريكية قاريا في إفريقيا، وأيضا على الواجهة الأطلسية ومع أوروبا”، مشيرا إلى أن “المغرب تتحقق فيه هذه الشروط لتعزيز دور المغرب إقليمياً ودعمه وتقليص الأدوار المضادة التي تلعب دورًا سلبيا وغير مضمون لواشنطن”.
وأوضح أن “المغرب لديه رؤية إفريقية واقعية وعملية ونفعية اقتصاديا وماليا، وأيضا رؤية استراتيجية يمكن من خلالها تنزيل البرنامج الأمريكي لمجابهة التوجهات المتزايدة لكل من الصين وروسيا”، مؤكدا أن “المغرب ليس ضد توجهات هاتين القوتين العظميَيْن”.
بالمقابل، لفت شيات الانتباه إلى “ما عرفته علاقات البلدين في العهد الديموقراطي من ترهُّل في الالتزامات التي كانت على عاتق الإدارة الامريكية فيما يتعلق بالقضايا المصيرية للمغرب عبر نوع من التردد أو عدم وضع الأمور في نسق من الأولويات، حيث تأخر إحداث القنصلية ومجموعة من الملاحظات المرتبطة بالموقف الأمريكي من قضية الصحراء، وإنْ توالت مواقف بلينكن الداعمة للحكم الذاتي”.
“هذا الأمر أعتقد أنه لا يخدُم الاستراتيجية الأمريكية عموما، ولا يخدًم كل الثقة التي تراكمت في العلاقات المغربية الأمريكية”، يقول شيات، مضيفا أن “الكرة الآن في مرمى الأمريكيين لكي يبنُوا رؤية متكاملة فيما يتعلق بالدور المغربي إقليمياً وعالمياً”.
المصدر: وكالات