طالب اتحاد المسيحيين المغاربة بتنظيم إحصاء علني للمسيحيين المغاربة، بهدف الحصول على معلومات أساسية عن حالة الجماعات المعتنقة للدين المسيحي ومعرفة وضعها في مختلف المدن المغربية، انطلاقاً من الإحصاء العام للسكان والسكنى المرتقب إجراؤه في غضون أسابيع، مؤكدا على أن إحصاء معتنقي هذه الديانة من شأنه رصد حالتهم وأعدادهم، ورسم سياسات عمومية بناء عليه كفيلة بحل “مشاكلهم” كفئة حيوية داخل المجتمع.
وبما أن اتحاد المسيحيين المغاربة يمثل جزءا من التنظيمات الدينية المسيحية بالمغرب، فقد حاولت هسبريس معرفة إنْ كان هناك توافق مع الجماعات “الإنجيلية” الأخرى، وهو ما أكدته تنسيقية المسيحيين المغاربة، التي أعلنت اتفاقها مع ضرورة توصل الإحصاء “لوضع برامج تعالج إشكالية الاستبعاد وتحدّ من التمييز الشائع ضد المسيحيين المغاربة، وتكافح الأحكام المسبقة، وتسهل الاعتراف الرسمي بالمواطنين المسيحيين بموجب الاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي وقع عليها المغرب”.
وطالب اتحاد المسيحيين المغاربة، الذي يعدّ من أبرز الإطارات التي تجمع المنتمين إلى “ملة المسيح” بالمغرب، باستثمار نتائج الإحصاء المقبل “للترويج لثقافات الأديان داخل المجتمع، وكذلك وضع ضمانات ملموسة للحفاظ على تواجد الأقلية المسيحية بالبلاد والسماح لها بالمزيد من التقدم في مجال الحريات الدينية وتوفير إرادة سياسية أضحت مطلبا أساسيا لتعزيز القوانين والمؤسسات من أجل حماية حقوقهم وحرياتهم وتهيئة المناخ السياسي لذلك”.
مطالب ملحّة
آدم الرباطي، رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة، قال إن “الإحصاء بمثابة منصّة ذات مصداقية تزودنا بمعطيات دقيقة عن المغاربة غير المسلمين، وخصوصاً المسيحيين”، مسجلاً أن “التنفيذ الميداني للإحصاء سيشمل أسئلة ذات طابع سرّي، متّصلة بالميول الدينية والجنسية للفئات المستهدفة”، وزاد: “هذا سيضمن مشاركة جميع المغاربة في هذا العمل الوطني، الذي سيرسم اتجاهات السياسات المجتمعية والثقافية للدولة المغربية”.
وسجل الرباطي، ضمن إفادات قدمها لهسبريس، أن “حرية المعتقد لا يمكن ضمانها إلا من خلال إجراء مسح موضوعي للمجتمع المغربي كاملاً، والإحصاء العام بمثابة كشف ضوئي يخول معرفة مساحة كل عقيدة داخل فسيفساء حضارية مركبة بعمق وبإحكام، تجترّ معها تاريخاً رائعاً من التعايش”، مضيفا أن “هذا الأخير وجب توسيعه، لنتجنب خطابات الكراهية الرائجة، فالمواطن المغربي الآخر حين يعرف أن المسيحيين المغاربة يتقاسمون معه المصير نفسه وأنهم ليسوا أجانب، فإن ذلك سيكون بدايةً للقضاء على التمييز على أساس الدين”.
وأورد القسّ عينه أن “الأقليات الدينية مقصية من أشياء كثيرة بسبب انتمائها العقدي، وهذا يرجع بشكل أساسي إلى مزاج أشخاص فاعلين في الإدارة وفي قطاعات عموميّة أخرى”، مشدداً على أن “النهوض بالأوضاع الاجتماعية والحقوقية والثقافية للإنجيليين المغاربة يتم عبر مساهمة السلطات العمومية في رسم صورة واضحة عن هذه الفئات المجتمعية، وهذا طريق آمن نحو الاعتراف بالمكون المسيحي كجزء من الهوية المغربية الغنية، ونحو تكريس إدماج عباد المسيح في المجتمع”.
“ما بعد الصعوبة”
مصطفى السوسي، الكاتب العام لتنسيقية المسيحيين المغاربة الناطق الرسمي باسمها، أعلن اتفاق التنسيقية مع هذه المطالب، معتبراً أن الإحصاء الذي تعتزم بلادنا إجراءه في الشهور المقبلة ينتظر منه أن يقدم أجوبة عن المسيحيين المغاربة وعددهم الإجمالي الحقيقي، لافتاً في هذا الصدد إلى ما يمكن أن يعتري هذه المهمة من صعوبة لإقناع جملة من الإنجيليين بالظهور وإفشاء سرّ انتمائهم، فنسبة لا يستهان بها من المسيحيين غير معروفة”.
وأضاف السوسي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “التنظيمات المسيحية تحثّ المنتسبين إليها أو الذين يحضرون إلى الكنائس المنزلية أن يعترفوا بانتمائهم في شروط جد حاسمة بالنظر إلى تنامي خطاب الكراهية ومعرفة السياقات المناسبة”، مضيفا أن “النص الإنجيلي يقول: (مَنِ اَعترفَ بي أمامَ النّاسِ، أعترِفُ بِه أمامَ الأب الّذي في السّماواتِ. ومَنْ أنْكَرَني أمامَ النّاسِ، أُنكِرُهُ أمامَ الأب الّذي في السّماواتِ)، وهذا يجعل المساهمة في جمع بيانات عن هذه العقيدة في شكلها المغربي أمراً ملحّا، بمساعدة من المسيحيين أنفسهم”.
وسجل المتحدث أن “الدولة ستستفيد حين تحصي العقائد المكوّنة للمجتمع الذي تدبّره، وهذا حتى تضمن سياسات مدنية تحدّ من بعض أشكال التمييز القائم على أساس الدين”، مؤكداً أن “تمتين النقاش العمومي انطلاقا من أسس علمية ورقمية سيكون في صالح تماسك المجتمع المغربي الذي كان دائماً غنيّا ومتنوعا، وسيكون في صالح الدين المسيحي لكوننا سنكون على بيّنة إنْ كنا نشكّل عنصراً مفصليّا في المشهد المجتمعي المغربي ونحظى بمكانة خاصّة انطلاقا من بوّابة الضمير”.
المصدر: وكالات