حسمت منى بناني قرار الهجرة خارج المغرب مبكرا، إذ وصلت إلى الامتحان الإشهادي في الطور الثانوي وعينها تتطلع إلى المسار المناسب لقدراتها في جامعات منتشرة بمختلف بقاع العالم، ورغم هذا الصفاء الذهني إلا أن المنحدرة من الدار البيضاء ترددت في أكثر من مناسبة قبل العثور على صيغة تنفيذية لما تبتغيه في مستقبلها.
تعتري منى رغبة ملحة في بلوغ التميز، شخصيا ووظيفيا، من خلال ممارسة المحاماة بمدينة مونتريال في كبيك الكندية، وترسم في ذهنها تصورا واضحا من أجل محاولة الوصول إلى صورة مشرقة لارتباط اسمها بهذه المهنة. وكلما قامت بناني بخطوة تتقدم بها في مسيرتها إلا وعادت لتذكير نفسها بأن الدرب مازال محتاجا جهدا إضافيا.
حسم مبكر في الهجرة
ارتبطت نشأة منى بناني بالدار البيضاء، إذ تجمع هذه الحاضرة السواد الأعظم من أفراد عائلتها، وفي العاصمة الاقتصادية أقبلت على الحياة التعليمية في فضاءات مدرسية خصوصية، خلال المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم حضر الانتقال إلى التعليم العمومي عند وصولها إلى الطور الثانوي التأهيلي، فحصلت على الباكالوريا بثانوية محمد الخامس.
وتقول منى: “كنت أركز في إنهاء التعليم الثانوي والمسار ما بعد الباكلوريا، على حد سواء، بينما حضور الهجرة لازم التفكير طيلة فترة المراهقة، وقد اتخذت القرار بمحاولة الحصول على تكوين جامعي خارج المغرب، ما جعلني مستعدة نفسيا للانفتاح على مرحلة جديدة من حياتي بعيدا عن مكان نشأتي بالدار البيضاء”.
كانت بناني تميل إلى الانتقال نحو فرنسا مباشرة بعد الباكلوريا، اقتداء بعدد من معارفها الذين سبقوها إلى القيام بهذه الخطوة، ثم ما فتئت تعدل المسار ليغدو مرتبطا بوجهة كندا، مستفيدة من نصائح أخت سبقتها للاستقرار في البلاد، وبانية طموحاتها على ما بلغ إلى علمها عن فرص التعليم والشغل في هذه البيئة الأمريكية الشمالية.
برودة الجو ودفء اللغة
انتقلت منى بناني إلى كندا بصور ذهنية ترى مستوى المعيشة في هذا الحيز الجغرافي أفضل من نظيره على التراب الفرنسي، وبرغبات جامحة في الإقبال على الدراسة حتى تستثمر الفرص التي تلائم طموحاتها المستقبلية، بينما كان استشعار حضور أختها في البلاد نفسها مصدر تشجيع إلى أقصى حد.
أما صعوبات البداية فإن مغادرة الدار البيضاء في 2012 تربطها، أساسا، بالتقلبات الجوية الشتوية التي تجعل الحرارة تهوي تحت الصفر بعشرات الدرجات وفق مقياس ‘’سيلسوس’’، لتنغص إيقاع الناس المعتادين في المغرب على أشعة الشمس طوال العام. أما ما يهم الاندماج الاجتماعي فإن الوافدة على كندا دون 18 سنة تنفي ملاقاة أي مشاكل في الوصول إليه بسرعة قياسية.
وعن تلمس الخطوات الأولى في كبيك تورد منى بناني: “كان أهم رهان لدي يتجلى في تحسين مستوى التعامل باللغة الإنجليزية، إذ لم أحصل على إمكانية الحديث بها طويلا زمن الاستقرار في المغرب، وقد حققت ذلك بعدما رصدت أن الإنجليزية ضرورية للاستفادة من الفرص الجيدة في البلاد التي انتقلت إليها”.
بوابة التكوين المهني
عدلت منى بناني نواياها التي كانت منصبة على التوجه رأسا إلى التعليم الجامعي، إذ كانت تبتغي التكوين في علم النفس، أو الحصول على تأطير بديل في المهن السينمائية، لكنها أعادت حساباتها من جديد كي تقبل على مجال التكوين المهني، مستوفية متطلبات الحصول على دبلوم يتيح لها الاشتغال مساعدة في طب الأسنان.
وتقول المنتمية إلى صف الجالية المغربية في كبيك: “الكلفة المالية لدراسة الأجانب في الجامعات الكندية مرتفعة جدا، بينما الحصول على بطاقة الإقامة الدائمة يهوي بهذه الرسوم إلى مستويات متدنية، لذلك عملت في مصحات عديدة بالدبلوم الذي نلته، وحين سويت وضعية الإقامة عدت إلى مقاعد الدراسة”.
بهمة عالية نابعة من التجربة في التحصيل المهني وخبرة التواجد في سوق الشغل، ارتأت المغربية نفسها القيام بتوجه اختياري قبل الشروع في التحصيل الجامعي، إذ ابتغت الاستفادة من سنة تحضيرية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبحلول الموسم الموالي شرعت في دروس نيل شهادة الإجازة ضمن تخصص العلوم القانونية.
في بذلة المحاماة
أفلحت منى بناني في أن تصير محامية عقب التخرج من كلية الحقوق، ثم نجاحها في اختبار الالتحاق بالهيئة المهنية، وبعد حصولها على التأطير بشقيه النظري والعملي، من خلال الخضوع لفترة تدريب على امتداد شهور، شرعت في استجماع المزيد من الخبرة المهنية عبر الممارسة في مكتب للمحاماة يتواجد بمدينة ‘’لافال’‘.
وفي المرحلة الموالية، انتقلت منى إلى مكتب آخر للمحاماة في مدينة مونتريال، يحمل اسم ‘’SDN Légal’’ ويشهد تواجد 4 محامين آخرين يستفيدون من مواكبة طاقم إداري في تدبير الأداء المكتبي، حتى تواصل الرفع من مستوى الخبرة قبل المرور إلى الطور اللاحق وما يقتضيه من إقبالها على الاشتغال لحسابها الخاص.
وتعلن منى بناني بشأن هذا التوجه: “اخترت التريث قبل البدء في العمل لصالح نفسي، إذ أحتاج إلى جمع الخبرة والاستفادة من الناس في هذه المرحلة من الممارسة المهنية؛ والمحاماة ترتبط لدي بالاشتغال على قضايا الأسرة والمنازعات المدنية عموما، كما أميل إلى كل ما يرتبط بقانون العقار وشؤون الهجرة”.
نيل الطاقة الإيجابية
تستمد منى بناني طاقة إيجابية من خلال التعامل مع زبائن من الجالية المغربية، ومعهم عدد وافر من الجاليات المغاربية بكبيك، وتطمح إلى أن تصير من بين المحامين الذين ينالون الثقة من هذه الشريحة المجتمعية لتساهم معها في كل ما يتيح المحافظة على الحقوق، معتبره أن هذا التموقع يجعلها سعيدة بخدمة مصالح أبناء الوطن الأم.
وتقول منى: “رغم الحيرة التي سلبتني حين وصلت إلى كندا إلا أنني مرتاحة لما قمت به، وأعتبر أنني عبرت طريقا ملائمة لقدراتي، خاصة أنني بذلت مجهودا للتركيز في التحصيل ضمن تخصص العلوم القانونية، وحرصت على أن أقوم بذلك بمحبة بالغة، حتى إنني توقفت عن العمل كي أبتعد عن أي تشويش حتى التخرج من كلية الحقوق”.
كما ترى بناني، أيضا، أن اختيارها التطور بالتدرج على الصعيد المهني، وحرصها على إبقاء أدائها في المحاماة ضمن قالب جماعي، يأتي من الوعي بما يعد ملائما لقدراتها الشخصية وإيقاعاتها الوظيفية، معتبرة أن التزامها بالتريث ضمن محطات متعدد من حياتها، من بينها حسم وجهة الهجرة ومعها تعديل وجهة التحصيل البدئية، لا يمكن أن يستثني ممارسة المحاماة حاليا.
تشجيع مهاجري الغد
تنصح منى بناني الراغبين في الانخراط ضمن التجربة الكندية، لأي سبب من الأسباب وفي أي ميدان كان، أن لا يستهينوا بما يمكن لهم تحقيقه بالشغف والإصرار وقوة العزيمة، شريطة أن يكونوا من ذوي الأهداف الواضحة قبل القيام بأي خطوة، حتى لو كانت هذه الأهداف مرتبطة بمكاسب مرحلية فقط.
وتشدد المزدادة في الدار البيضاء على أن التحولات التكنولوجية وتطور وسائل الاتصال قد بددت الخوف من مغادرة الوطن الأم لاستكشاف العالم بأكمله، بينما من يمتلكون أحلاما يمكنهم استغلال هذه الحرية في التنقل بين الأقطار من أجل التزود بالمزيد من القوة كي يحاولوا الوصول إلى المرامي والمبتغيات.
“تجربتي في الهجرة شكلت مرحلة فارقة في حياتي، لذلك أجد نفسي أشجع كل من يريد تجريب حظه خارج المغرب، خصوصا على مستوى كندا وما تتيحه البلاد من فرص في جميع الميادين؛ أما النتائج المحصلة فإنني متأكدة من مساهمتها في جلب الإفادة لصاحبها، وتليها مهمة تصحيح المسارات حتى الوصول إلى الوضعية المنشودة”، تختم منى بناني.
المصدر: وكالات