انعقد، الثلاثاء في رحاب “قاعة توبقال” بجناح “الأطلس” في فضاء “إغلي” الشاسع حيث تستمر فعاليات اليوم الثاني من الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين، مؤتمر نقاش موسع، ضمّ شخصيات وازنة في ساحة الاقتصاد العالمي وصناعة القرار المالي وتوجيهه.
النقاش تمحور حول موضوع «مواجهة وتدبير الصدمات الاقتصادية النسّقية/المنتظِمة الكبرى: كيف نُعزّز الاستقرار في ظل الحركة؟» (Facing the Great Systemic Shocks: How to Foster Stability in Movement)، بينما أدار أطواره ببراعة، في تبادل للأفكار دام أزيد من ساعة، الأكاديمي والباحث المغربي عبد المالك العلوي.
فتاح: “الأسوأ خَلْفَنا”
خلال مستهل الجلسة النقاشية، قالت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، تفاعلاً مع سؤال من المسيّر، إن “المجهودات المبذولة من طرف المملكة المغربية، طيلة العقدين الماضييْن، كان لها الأثر الكبير والفعال في لعب دور الوقاية من الصدمات التي توالت على العالم”، مستحضرة في هذا الإطار “جهود الرباط للاستجابة ومجابهة أزمات صحية كبيرة مثل كوفيد-19، قبل أن تُثبت محنة الزلزال مزيدا من الصمود والمرونة تجاه الصدمات”.
وزادت الوزيرة شارحة أمام جمع من الخبراء الاقتصاديين العالميين والمغاربة: “البلاغات الملكية كانت واضحة منذ البداية في تدبير أمثل لفاجعة الزلزال، عبر مساعدة الناس، ولكن أيضاً عبر التأكيد على رسالة عدم التوقف؛ لأن هناك العديد من التحديات يتعيّن رفعها في الآن ذاته”، في إشارة واضحة منها إلى صدمة التضخم التي بصمت ظرفية العام الماضي.
“نحن محظوظون لأننا نتوفر على نظرة بعيدة المدى في مجالات وقطاعات واعدة، ولن نغيّر أولوياتنا المتعلقة بالتعليم والصحة وشبكات الأمان الاجتماعي (الحماية الاجتماعية)، بغرض تشجيع النمو الاقتصادي”، تورد وزيرة الاقتصاد بنبرة طمأنة بشأن سيناريو تعامل المغرب مع صدمة ما بعد زلزال الحوز (ثامن شتنبر)، متابعةً بأنها تعتقد أن “السيناريو الأسوأ بقيَ خَلْفَنا”.
فتاح، التي تحدثت متوسطة المنصة بين مديرتَيْ صندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي المركزي، قالت أيضا: “إننا نحتاج دوماً وقتاً كبيرا لتنفيذ وتنزيل مخططات عملنا ومشاريع التنمية بالمملكة”، مردفة في نبرة حازمة: “كما لن نظلّ مكتوفي الأيدي؛ لأن دينامية التقدم تستدعي انخراطنا حالياً ضمن وتيرة جديدة من الإصلاحات المهيكلة”.
وأعطت المسؤولة الحكومية ذاتها مثالاً بـ”أزمة الجفاف التي قالت إنها جعلت الفاعلين (حكوميون وغير حكوميين) بالمغرب يفكرون في ابتكار خُطط طويلة الأمد ومستدامة الأثر، تضمَن التوازن بين مياه الري ومياه الشرب”، معددة محطات تحلية المياه الحالية وقيد الإنجاز، ومشاريع الربط المائي بين أحواض كبرى.
تحديات المناخ والسلام
موضوع تهديدات الجفاف التقطته سريعاً كريستين لاغارد، رئيسة “البنك المركزي الأوروبي”، التي شددت على أهمية “التوقف عند هذه الإشكالية”، معتبرة أن الجفاف وما يسببه من شح في المياه وتهديد للنُظم الإيكولوجية الحية “ليس اعتباطياً؛ بل لأن التغير المناخي يَحفُّنا قبل أن يزُجّ بنا للعمل السريع”.
لاكَارد أفادت، في كلمتها خلال الجلسة نفسها، بأن “سياسات حماية التنوع البيئي تأخذ في عين الاعتبار هذه العوامل الخارجة في الغالب عن إرادة وضبط بشرييْن”، وقالت باعتبارها رئيسة مصرف مركزي أوروبي: “إننا نحاول أن نضخّ بجزء ولو يَسيرٍ من الثقة في جوّ مفعم بعدم الثقة واستمرار اللايقين”.
وبالنظر إلى “تحديات الهجرة المناخية” التي قالت إنها لا تقل شأناً عن “تحدي الهجرة بين الشمال والجنوب، لاسيما في صيغتها غير النظامية”، أوردت المتحدثة ذاتها: “إنْ ركّزنا في منطقة البحر المتوسط فإنه يمكن أن يشكل فضاء يجمعُ أوروبا بإفريقيا، كما يمكن أن يصير مَدفَناً لكل راغب في حياة أفضل قد لا يصل إليها…”.
رئيسة البنك المركزي الأوروبي سطّرت ضمن حديثها على “السلام الذي يجب أن نراه في كل مكان نحتاجه”، متأسفة لـ”اتساع وازدياد منسوب العنف في بعض المناطق”، وفق تعبيرها، وأضافت أن “التعافي الاقتصادي يحتاج إلى وقت طويل بشرط معرفة كيف نستفيد من قدرة كامنة كبيرة في توزيع الأرباح”، وزادت: “كما نحتاج إلى بُنًى تحتية في إفريقيا بالخصوص”، خالصة إلى الإشادة بـ”تغيير البنية التحتية للمملكة لدينامية الاقتصاد والإنتاجية نحو الأحسن”.
وفي إشارة بليغة، نوهّت لاغارد عاليا بـ”إمكانيات المغرب الذي اشتغل بشكل وثيق مع صندوق النقد من أجل إنجاح هذه الاجتماعات في ظروف مريحة”، معتبرة أن “ذلك برهان كافٍ للردّ على المشككين بعد تعرضه لصدمة زلزال عنيف…”.
“تدعيم الأسُس” للنهوض بعد الصدمات
من جهتها، تفاعلت كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، مع النقاش الجاري حول النمو المستدام لمجابهة الصدمات، قائلة: “إن ما شاهدَتْه بالمغرب منذ قدومي يعكس الدينامية والطاقة التي لا تنضب لرجال ونساء هذا البلد”.
“لقد قدّمْنا أمس الكتاب المتعلق بتجربة المغرب. وبما أننا نتحدث عن الجفاف، ما يتعين علينا القيام به هو إيجاد إمكانات النمو، لأن النمو العالمي بطيء، وسيظل بطيئاً”، تورد جورجييفا، مسجلة أنه “ليس لدينا مستوى النمو اللازم للتعافي من الصدمات الموجودة في كل مكان ولكي نكون أكثر ازدهارا في المستقبل”.
“تدعيم الأساسات” نقطة محورية تكررت في مداخلة المسؤولة الاقتصادية العالمية، مؤكدة أن المسألة برمّتها تتصل بـ”معرفة الوصفة التي تعمل حسب كل حالة صدمة، وكيف يمكن أن تعمل بشكل أفضل…”، قبل أن تشبّه الوقاية من الصدمات –إلى حدّ ما- بـ”أسُس وركائز المنزل التي تحتاج تدعيما وتقوية حتى لا تتسبب الزلازل في إتلافه”؛ معتبرة أن “ذلك ما فَعَله المغرب”.
ورغم إقرارها بانحسار التضخم بالمغرب إلى 5% فإنه “مازال هناك طريق طويل لنقْطَعه، ولكن على أي حال، عندما تكون هناك صدمات تقع عليك المهم أن تكونَ أكثر مرونة”، بحسب مديرة الـIMF.
ولم يفت المتحدثة أن تجدد “الإشادة بالتجربة المغربية في السعي نحو النمو وإثبات تعافٍ من توالي الصدمات وبناء القدرات”، مشيرة إلى أن “الصلابة والتكيف سِمَتان تبصمان سلوك المغرب تجاه الصدمات، وهو يعترف بأهمية تنويع الاقتصاد من أجل المستقبل”، داعية إلى “رفع العراقيل لنسمح بازدهار الاستثمار الخاص” مع “العمل المشترك لأنه لا يمكننا أن ننجح في عالم تتكاثر فيه الصدمات إلا بالعمل سويّاً”.
المصدر: وكالات