رصد تقرير حديث صادر عن “المجلس الأطلسي”، وهو مركز تفكير أمريكي، أن “وجه إفريقيا السياسي، نظريا، لن يكون كما كان بحلول نهاية العام الحالي مع تسعة عشر انتخابا مقررا في عدد من دول القارة”، مشيرا إلى أن هذه الدول ستشهد مغادرة رؤساء تم انتخابهم قبل أكثر من عقد من الزمن على غرار الرئيس الغاني، إضافة إلى تحولات مدنية غير مؤكدة في تشاد ومالي وبوركينافاسو، وانتخابات عالية المخاطر في جنوب إفريقيا.
وأوضح المصدر ذاته أن هذه التطورات المتوقعة التي تشهدها القارة الإفريقية، التي عرفت موجة من الانقلابات، جعلت “العديد من المراقبين يبدون متشائمين بشأن تراجع المثالية الدمقراطية”، غير أن هذا التراجع لا يخص إفريقيا وحدها، بل يشمل حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، إذ أظهر استطلاع لمؤسسة “غالوب” أن أقل من 28 في المائة فقط من الأمريكيين راضون عن الطريقة التي يعمل بها النظام الديمقراطي في بلادهم عقب الهجوم على مبنى “الكابيتول” في أوائل عام 2016.
وفي فرنسا يحلم اثنان من كل خمسة ناخبين برجل قوي غير منتخب لتولي رئاسة الجمهورية، وبالتالي ليس من “المستغرب أن تكون قيمة الديمقراطية محل نزاع في إفريقيا، وأن تتخذ الحجج الموجهة ضدها شكل مطالبات باستعادة السيادة الوطنية ومواجهة القوى الاستعمارية السابقة”، يضيف التقرير، مشيرا في هذا الصدد إلى الدول التي شهدت انقلابات في الآونة الأخيرة وتبنى قادتها الجدد هذا الطرح الذي ينتصر للسيادة على حساب الديمقراطية.
في هذا السياق أورد مركز التفكير ذاته مثال السودان، التي قال إن “قائدها الحالي عبد الفتاح البرهان استعمل مبرر الإصلاحات الهيكلية المستوحاة من البنك الدولي لتبرير انقلابه في أكتوبر 2021″، فيما اتهم القادة الجدد في النيجر الحكومات السابقة بـ”إقامة أنظمة ديمقراطية زائفة ومسؤولة عن تخلف البلاد، فيما لا يزال الرئيس محمد بازوم محتجزا ومتهما بإجراء اتصالات مع رؤساء دول ومنظمات أجنبية”.
ولفت المصدر ذاته إلى وجود “عذر مهين” يوحي بأن الأفارقة لا يستحقون اختيار قادتهم، وبالتالي العيش في حرية، مؤكدا أن “الأفارقة على دراية كبيرة بالممارسات الديمقراطية، على غرار ميثاق ماندن الذي صدر سنة 1222 في وقت الامبراطورية المالية، والذي يتضمن مجموعة من المقتضيات”، كما أن التاريخ يزخر بمجموعة من الأمثلة التي تدل على ذلك.
وسجل وجود الكثير من الأمثلة على “النجاحات الديمقراطية التي حققتها الدول الإفريقية وفق ما تؤكده التقارير الدولية”، لافتا إلى أنه “خلافا للاعتقاد السائد بأن إفريقيا هي أرض الحروب بين الأعراق، فإن التنوع الثقافي الكبير في هذه القارة، وبعيدا عن كونه مجرد تحد، هو أحد أكثر العناصر الأصلية للأنظمة الديمقراطية الإفريقية”.
كما بيّن عدم وجود أي تعارض بين الديمقراطية والسيادة، إذ لا شك أن المشاكل التي مرت بها عدد من دول هذا الفضاء سببت نوعا من “الإرهاق الديمقراطي”، الذي يعززه استمرار التخلف في دول غنية بطبيعتها، وبالتالي فإن “استعادة المثل الديمقراطية يتطلب ما هو أبعد من التصنيفات البسيطة أو اعتماد بعثات لمراقبة الانتخابات، حيث إن إفريقيا قادرة على الاستغناء عن مثل هذه الحلول لأن الديمقراطية أكبر من الانتخابات”.
وخلص التقرير إلى أن “الزعماء الأفارقة عليهم أن يفهموا أن الديمقراطية وبعيدا عن كونها مجرد عملية انتخابية بسيطة، هي في المقام الأول عمل وطني”، ولهذا السبب من الضروري “تدريس التاريخ الديمقراطي لإفريقيا، وإصلاح المؤسسات حتى تعكس بشكل أفضل الواقع، وتعزيز الحكم المحلي، وأن يكون الوطنيون وذوو البصيرة مستعدين لتولي المسؤوليات”.
المصدر: وكالات