“كيف يمكن للصراع في غزة أن يقلب الموازين في شمال إفريقيا؟”، سؤال انطلق منه تقرير لـ”المجلس الأطلسي”، وهو مركز تفكير أمريكي، ليبحث تداعيات الصراع القائم في الشرق الأوسط على بلدان شمال إفريقيا، مشيرا إلى أن تركيز العالم بشكل مباشر على الحرب بين إسرائيل وحماس، مع ما تثيره من مخاوف بشأن تمدد الصراع في المنطقة، لا يجب أن تُنسى معه التطورات السياسية والاقتصادية في شمال إفريقيا التي تستحق بدورها نصيبا من الاهتمام، وقد تحتل الصدارة على المستوى القريب إذا ما تم تجاهلها أو أسيء تقديرها.
ولفت المصدر عينه إلى أن عددا من الباحثين طالما أكدوا مرارا وتكرارا على أهمية استقرار الشمال الإفريقي بالنسبة للتطور السلمي للنظم السياسية في جنوب أوروبا، غير أن الوضع الحالي في المنطقة بدأ يزداد سوءا، مسجلا في هذا الصدد أن التنافس بين المغرب والجزائر الذي تشكل قضية الصحراء المغربية محركه الأساسي من الممكن أن يؤدي إلى صدام عسكري بين البلدين.
في هذا الصدد أشار “المجلس الأطلسي” إلى بذل مجموعة من الجهود لتحقيق التقارب بين المغرب والجزائر من خلال إعادة فتح الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية مباشرة بين البلدين، وهو ما ازداد الأمل فيه على ضوء “الربيع العربي سنة 2011″، غير أن هذا الأمل تلاشى مع ظهور أسباب جديدة للمواجهة، على غرار اتفاقيات التطبيع والاتهامات لإسرائيل بمحاولة خلق توتر في الداخل الجزائري، ما أدى بالجزائر للانضمام إلى محور إيران والعراق وسوريا وليبيا في معارضة هذه الاتفاقيات، موردا أن عواقب أي رد جزائري محتمل في سياق الحرب بين إسرائيل وحماس مهمة بالنسبة للدول الأوروبية.
ومن المغرب والجزائر انتقل التقرير إلى تونس، حيث “قام الرئيس المنتخب حديثا بجمع كل السلطات في يده وحول البلاد إلى الاستبداد”، مضيفا أن “الأمر الأكثر خطورة هو سقوط تونس في أحضان جارتها الجزائر، إذ كلما غرقت الدولة التونسية في أزمتها الاقتصادية والسياسية كلما احتاج قيس سعيد إلى دعم غير مشروط لتحقيق التنمية”.
أما في مصر فقد سعت القاهرة إلى “بسط حكمها العسكري والسياسي على جارتها ليبيا التي مزقتها الحرب الأهلية، حيث تتجنب الدولة المصرية الفوضى على حدودها الغربية من خلال دعمها الجنرال خليفة حفتر، الذي حقق مستوى معتدلا من النظام في الشرق الليبي؛ غير أن مأساة فيضانات درنة التي أودت بحياة عشرة آلاف شخص بدأ معها الكثيرون يشككون في مشاركة حفتر وأبنائه في الحياة الاقتصادية والعسكرية في المنطقة، وازداد معها احتمال التمرد يوما بعد يوم”، وفق المصدر ذاته.
“وضعية جديدة قد يضطر معها الرئيس المصري إلى التدخل بشكل مباشر لتخفيف حدة التوتر في مناطق بلاد الحدودية، مع ما يمكن أن يجلبه ذلك من رد فعل قوي من الجزائر التي ترى أن محاولة توسيع النفوذ المصري قد يؤدي إلى اختلال موازين القوى في شمال إفريقيا، فيما لن تقف تركيا هي الأخرى التي تسيطر على الجزء الغربي من ليبيا مكتوفة الأيدي، وستكون الجزائر حليفتها على هذا المستوى”، يورد التقرير.
وأشارت الوثيقة سالفة الذكر إلى أن كل هذه المتغيرات “قد تجبر مصر على مواجهة تناقضاتها، ما قد يؤدي بها إما إلى مواجهة إسرائيل دفاعا عن الفلسطينيين أو مواجهة حماس دعما لاتفاق السلام مع إسرائيل”.
وخلص مركز التفكير الأمريكي إلى أنه في ضوء هذه التحديات متعددة الأوجه في شمال إفريقيا فإن “الدول الغربية ينبغي عليها أن تأخذ بعين الاعتبار التوترات المستمرة في هذه المنطقة في عملية صنع القرار في ما يتعلق بالأحداث في غزة”، مردفا بأن “الحل الوحيد القابل للتطبيق من أجل سلام دائم بدلا من حل مؤقت هو صياغة خطة مصالحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على نحو لا يهمل العالم بأسره، لأن ذلك هو الطريق الوحيد للمضي قدما نحو السلام”.
المصدر: وكالات