حرص كبير على أن تكون مقتضيات مدونة الأسرة الحالية متناغمة مع مبادئ الدين الإسلامي كان هو ما طبع عمل اللجنة الملكية الاستشارية التي قامت بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية.
هذا الحرص تجلى في آخر مادة من مواد المدونة، هي المادة 400، التي نصت على أن “كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”.
وعند مناقشة المادة المذكورة أيضا في البرلمان تم تسجيل إيجابية الإحالة الواردة فيها “لأن المدونة لا يمكن أن تنظم كل شيء، وبالتالي كان لا بد من الرجوع إلى المرجعية الإسلامية التي هي الفقه وقيم العدل والمساواة”، كما ورد في مجلّد الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة.
وخلال تسليم مهام رئاسة اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية بين إدريس الضحاك وامحمد بوستة، قال الضحاك: “سنعتز جميعا بأن ثلة من خيرة فقهائنا وعلمائنا وقضاتنا استطاعوا المحافظة على النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، واجتهدوا ولجؤوا إلى استنباط الأحكام من طرقها ومن مصادرها الثابتة وغير الثابتة، ووفقوا بين ما هو تشريعي وما هو استنباطي للأحكام”.
حرص اللجنة، التي تشكلت من 16 عضوا، منهم ثلاث نساء، إلى جانب رئيسها الأول إدريس الضحاك وبعده امحمد بوستة، الذي عُين في فترة لاحقة رئيسا لها، على تطابق أحكام مدونة الأسرة مع مبادئ الشريعة الإسلامية وازاه أيضا الحرص على التمسك بوسطية الإسلام.
وقد أكد ذلك الضحاك في الكلمة التي ألقاها بمناسبة تسليم مهام رئاسة اللجنة إلى بوستة، حيث نوه بحرص أعضاء اللجنة على “خدمة الشريعة، وتقديمها بالشكل الحضاري التي هي في مقدمته طالما تخدم الإنسان، أنثى وذكرا، وتعمل على إسعاده عن طريق تمتيعه بكل ما هو عادل ومنصف يقوي بنيان الخلية الأساسية للمجتمع، ألا وهي الأسرة المغربية المتشبعة بالقيم الإنسانية النبيلة”.
بدوره أكد الملك محمد السادس هذا التوجه. إذ بحسب ما نقل عنه بوستة، فقد دعا أعضاء اللجنة إلى المزيد من الاجتهاد “لجعل أحكام مشروع المدونة الجديدة للأسرة تجسد الحرص الملكي السامي على تحقيق المساواة والإنصاف والتكامل بين أعضاء الأسرة، والانسجام مع مقاصد الإسلام السمحة”.
مبدأ المساواة، الذي هو من المبادئ الأساسية التي سعت مدونة الأسرة إلى تحقيقها، تم “تكييفه” أيضا وفق تصور الشريعة الإسلامية للموضوع، ففي كلمة ألقاها مصطفى بنحمزة نيابة عن أعضاء اللجنة، قال إن “المساواة نفسها لا فائدة منها إذا لم تكن تحقق العدل. فنحن نريد العدل، بل نريد الفضل لأن الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان”.
وأضاف بنحمزة، حين حديثه عن الحوار الذي ساد بين أعضاء اللجنة رغم تباين وجهات النظر، “نطمح إلى الإحسان لا أن ننشطر ونصير تجارا ونسوّق المقايضة والمبادلة بين الحقوق، بل نريد أن يكون الضعيف فينا صاحب حق بفضل، ويتنازل بأريحية”.
وأردف أن اللجنة “كانت لها خصوصية تراعي الالتزامات، والالتزامات ليست التزامات في اتجاه واحد وليست التزامات دولية فقط، بل التزامات أسّسها فينا انتماؤنا لهذا الإسلام، ذلك أننا نؤسس لمدونة تقر العدالة وتقر الطمأنينة، ويرى كل واحد أنها تستجيب لقناعاته ولمنطلقاته العقائدية”.
حرص اللجنة الاستشارية الخاصة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية على جعل الشريعة الإسلامية هي الإطار الذي يحيط بمواد مدونة الأسرة أكده أيضا بنحمزة بقوله إن “العبرة هي بالمحافظة على شخصية هذه الأمة من الانزلاقات حتى لا تبقى أسيرة للأفكار الأجنبية”.
وأردف أن “الشيء الأساسي الذي ينبغي أن يُهتم به هو كيف ينظر المجتمع المسلم إلى هذا النص، فإذا كان هذا النص غريبا سيُعتبر شاردا، بعيدا ومفروضا من أعلى، ولن يجد في نفوس الناس من الولاء أو القبول أي شيء”.
المصدر: وكالات