بعنوان “فِي مدَدِ المَعْنَى.. تفَكُّرَاتٌ ومُقارَبَاتٌ فِي القرآنِ الكَرِيم”، صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط كتابٌ جديد للباحث والفنان الصوفي محمد التهامي الحراق.
ويقدم الكتاب ثلاثة أسس لقراءة القرآن الكريم من منظور عقلاني إيماني، يفحصُ أولها أحد أهم خصيصات هذه القراءة وهي “النظر في القرآن الكريم من خلال ‘جدلية التعالي والتاريخ’، ثم مقاربة منطلقة من وصيةِ أبي محمد إقبال لابنه: “اقرأ القرآن وكأنه نزل عليك” في “عقلانية إيمانية”، فوقفة دراسية مع “نموذج متميز من نماذج التعاملِ معَ القرآن الكريم، ذاك الذي يمثله أهل العرفان”، بتحليل نماذج من ميراثِ محيي الدين ابن العربي وعبد السلام بن مشيش والشاعر الصوفي أبي الحسن الششتري.
ويعد هذا الكتاب العاشر في سلسلة أعمال التهامي الحراق مواصلة لأفق فكري يسمّيه “الفكر الذاكر”. ويخوض، في إطاره عبر هذا الكتاب، “بكثير من الحذر المعرفي والمسؤولية الإيمانيةِ، تجربةَ ‘التفكر’ في القرآن الكريم و’الاقتراب’ منه”، مع اعتباره عمله هذا “مِهَادًا ضروريّا لاقتراب تدبري أوسع من الذكر العزيز”.
وذكر الباحث المغربي محمد التهامي الحراق أن كتاب “فِي مدَدِ المَعْنَى.. تفَكُّرَاتٌ ومُقارَبَاتٌ فِي القرآنِ الكَرِيم” يتحدث عن “مَدَدِ المعنى” الذي “كلّما ازددتَ منه وِرْدًا ازددتَ عَطَشاً؛ لكونه مدَداً بِلا حدٍّ ولا نهاية”.
وتابع: “إنها كلمة الله التي لا تَنْفَد ولا تُسْتَنْفد، نافدةُ الإنسان النسبي التاريخي المحدودِ بالزمان والمكان والإمكان، على عوالمِ الإطلاق والغيب والتعالي؛ دون أن يفقِدَ هذا الإنسانُ محدوديتَه ولا أن تُعِيقَه عن استدامةِ الاكتشاف”.
وتدعو “تفكراتُ” الكتاب و”مقارباتهُ” إلى “أن نُفْرِغ بواطنَنا مما يحجُبُنا عن إسفاراتِ السَّفَرِ في القرآنِ وبه؛ أن نحاولَ بِصَمْتِنَا مجاورتَه في ثناياهُ السرية، ومحاورتَه بصوتِنا من خلال معارفِنا المتطورة والمتجدِّدَة؛ أن نحاول الإصغاءَ للمطْلَقِ فيه، وأن نستعملَ مداركَنا النسبيةَ للنهل من “معانيه القديمة” ما تستطيعُه “أوانينا الحادِثَة”؛ إذ متى ما “جاهدنا” أن نجعَلَ من التعبُّد والتلاوة الشعائرية سبيلا منهجيا لمجاورة الثنايا السرية للقرآن الكريم، و”اجتهدنا” في تحويل تلك المجاورة إلى محاورة نقديةٍ خصيبَة بين النص القرآني الخالد والمعارف العليا التي بلغها العقل البشري المتنور، استطعنا أن نتحقَّقَ بحقيقة التدبّر في أعلى ذراها، وأن نستنطقَ القرآن الكريم بما ينيرُ عقولَنا وقلوبنا للإجابة عن أسئلتنا والانعتاق من إحراجاتنا هنا والآن”.
ويتفكّر هذا الكتاب، وفق مقدمته، في القرآن، مقدما “نظرات معرفية ومنهجية مفتوحة، حول بنيةِ القرآن الكريم وخصائِصِه وطرائقِ الاقتراب منه والأسئلة المختلفة التي يطرحُها هذا الاقتراب”. كما يناقش تلك الأسئلة ويقدّم الرؤى الخاصة للمتفكر وفيها، ويقارب أيضا أسسَ قراءة القرآن الكريم “من منظور عقلاني إيماني”.
وقدّم التهامي الحراق عمله الجديد بوصفه “مِهادا متواضِعا لاقترابٍ أوسَع وأعمق من القرآن الكريم؛ ننجز خلاله قراءةً تدبريةً موسعة في القصص القرآني؛ لكنهُ مِهادٌ ضروريٌّ من أجلِ توضيحِ منظورنا المنهاجي والإبستمولوجي المخصوص في التعامل مع القرآن الكريم من جهة، ومن أجل الإسهامِ في دفعِ كثيرٍ من ألْوانِ الغبشِ في ‘قراءة’ القرآن الكريم في السياق المعاصرِ، سواء على المستوياتِ المعرفيةِ والمنهاجية أو الروحيةِ والأخلاقية من جهة ثانية؛ وكذا من أجل الإسهامِ في توسيعِ آفاقِ التعامل مع القرآن الكريم استلهاما من الميراثِ العرفاني، واستعادة نقدية لمنجَزِهِ المنسيّ في الاستمدادِ من القرآن الكريم من جِهة ثالثة”.
وينطلق هذا الكتاب من “حقيقةٍ رئيسَةٍ” هي أن “مَدَد المعنَى في القرآن الكريمِ لا حَدَّ لهُ ولا شَطَّ، ومن مظاهِرِ تعالِي النصِّ الوحياني وعالَميتِهِ وخاتمِيَّتِهِ وخُلُودهِ، تدفُّقُه اللانهائي بالمعاني، وإمدادهُ المفتوحُ للمتلقي بالمعانِي مهما كانَ زمانُهُ ومكانُه ورهانُهُ وإمْكانُه؛ بشرطِ أن يعيَ المتلقي هذه الخصيصةَ القرآنيةَ، ويستعِدَّ للإفادةِ منها تقَويّا ومعرفيا”.
المصدر: وكالات