محاولة مسرحية أولى لعرض “محاكمة سقراط” استقبلها مسرح محمد الخامس بالرباط، لمخرجها نبيل لحلو، الذي انتصر لرؤية تمجّد التضحية والموقف، واستمرار من يقولون “لا” في الحياة أطول ممن يسلبونهم حياتهم المادية.
هذا العرض المسرحي الذي تخطّى سقف الساعتين، تنقل بين رؤى وخطابات ومستويات في الوعي والفعل، لكنه ربط جميع من قالوا لا، رغم بعد الزمن والجغرافيا؛ فما بين العرض وبين إعلانه (الأولِ المسحوبِ) تجاورت أسماء وصور: سقراط، الحلاج، غاندي، لومومبا، مالكوم إكس، مانديلا، سالفادور أليندي، عمر بن جلون، أبراهام السرفاتي، عبد السلام ياسين، المهدي بن بركة، سعيدة المنبهي، جمال خاشقجي، سلمان رشدي وغيرهم.
هذه المسرحية التي من محطاتها تجاربُ أداء، تعالج سؤال الفن بين النموذج المبدئي للرسالة والمسؤولية والإبداع، وبين الاستهلاك والابتذال ومراكمة الأرباح، ثم الانصياع لقانون السوق وفساده حتى.
ترافق هذه التجارب أغنية تستصغر التضحية، تحطّ من شأنها: مت إذا أردت أن تموت، لا أحد يهتم لأمرك، اصدم رأسك مع الحائط.
عبر تجارب الأداء هذه تطرق مواضيع: الاستغلال، الفساد المالي، فساد التصوّر، الحب وانتظاراته، الإبداع والواقع، عقدة الأجنبي، الاستلاب اللغوي، حدود اللغة أو حدود القدرة على الصراحة الجمعيّة، مع الاحتفاء بمن يصدح بحقيقة ما يفكّر فيه دون اصطناع ومداهنة، ولو جانب الذّوق.
ومع الفن ومطبّات الفساد والشِّلليّة، لم يغفل نبيل لحلو موضوعا أثيرا في نقاشاته داخل المسرح وخارجه: التلفزيون العمومي دوره الاستغباء، عربيةَ وفرنسية.
وفي جوّ عبثيّ تختلط التمارين بالنص المسرحي، والتوجيهات بالأدوار، والحياة الخاصة بالحياة المهنية؛ قد يخرج المشخّص من التلفاز، بعد تلعثم ليجاور المخرج في أريكته، ويرشف ما يصون تماسك خطابه.
في هذه المسرحية أيضا، المآلات بين ماضي الإنسان وحاضره، بين إشعاع مضى ويوم لا يحضر فيه إلا شبحا؛ زوجة المخرج، صديقه الذي أسند إليه دور سقراط؛ أبطال طالت حياتهم فما عادوا كذلك، عكس من وُضِع حد لوجودهم المادي في أوجِهم.
ولا يجمع مشاهد المسرحية، أو تشتّت الحياة، إلا مشهد موت سقراط؛ مشهد التضحية، حجة سقراط الأخيرة التي ستُؤبّد سابقاتها، آخر محطّات نجاح ثورته على مدينته وثوابتها.
في هذا المشهدِ الثباتُ، وفيه العالَم الذي يوشك أن يُوَلّي ممَثَّلا في حامل السّمّ المستصغِر لمن سيرتشفه، وفيه لوعة وارثي الرسالة.
لكن أيكفي الموقف وتأدية ثمنه؟
إذا كان جواب أمل دنقل أن “خلف كلّ قيصر يموت: قيصر جديد، وخلف كلّ ثائر يموت: أحزان بلا جدوى ودمعة سدى”، وإذا كانت وجوه كانت ثائرة أو مقبلة على إسقاط القائم من الأوضاع حاضرة في المسرحية، مع حقيقة مآل دعواها، لومومبا أو صدام حسين أو القذافي أو أوفقير…، فإن جواب المسرحية لم يناقش المآل، بل اكتفى بالانتصار للكلمة الحرة، ودافع عن حياتها، وجرّم اغتيالها.
المصدر: وكالات