في اليوم السادس من الدورة الـ29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، قارب المجلس الوطني لحقوق الإنسان مسألة “حماية حقوق الإنسان في سياق زلزال الأطلس الكبير”، في ندوة ضمن تحركات المؤسسة في الملتقى، خصوصا أن موضوع الهزة الأرضية (8 شتنبر) كان من أكثر المواضيع التي شغلت “الفعل الحقوقي” المغربي أواخر السنة الفارطة، وربما ما زال.
وفي معرض تعوّل عليه الكثير من المؤسسات الدستورية والعمومية لتقريب المواطن المغربي من تصورها لمختلف القضايا المطروحة للنقاش، اختار “مجلس بوعياش” أن يعيد “زلزال الحوز” إلى واجهة “التعاطي الرسمي”، بوصفه موضوعا ما زال “رائجا” بما أن عملية إعادة البناء ما زالت متواصلة في المناطق المنكوبة التي نفضها اهتزاز الأرض.
حقوق “اهتزت”
رشيد أوراز، عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، انطلق في مداخلته من دراسة أجراها المجلس من المرتقب أن تصدر قريبا حول الموضوع، وسجل أن الهدف منها هو المقارنة بين ما تتوفر عليه كل جهة من إمكانات، وهل هي متناسبة مع التدخل ومواجهة التحديات التي فرضها الزلزال. كما تهدف إلى تقييم جهود الفاعلين المعنيين بهذه الكارثة، بما فيهم المجتمع المدني، والطريقة التي تدخلوا بها وسرعة التدخل وقدرتهم على مواجهة آثار الكارثة.
وكشف أوراز أن أسئلة البحث وضعت باعتماد مقاربة قائمة على حماية وتعزيز حقوق الإنسان قبل الكوارث الطبيعية وأثناءها، مؤكدا أنها “تسترشد بالمبادئ العامة: عدم التمييز، حماية الكرامة الإنسانية، المشاركة، الشفافية، المساواة والإنصاف”.
وفيما يتعلق بالجاهزية في تدبير الكوارث في الجهات الأربع المتضررة من الزلزال، فالنتائج بيّنت أن فعلا كانت هناك بعض البرامج على المستوى الوطني موضوعة ومصممة لمواجهة الكوارث الطبيعية بصفة عامة، خصوصا الفيضانات والحرائق، لأنها هي الظواهر البيئية أو الطبيعية التي يشهدها المغرب بصفة عامة، ثم بعض المناطق وبعض الجهات وبعض الجماعات تتوفر على بعض الإمكانات اللوجستية.
الدراسة، حسب أوراز، أكدت أن الجماعات المتضررة وغير المتضررة التي شملها الاستطلاع لا تتوفر على خطط محلية يعني مصممة على المستوى المحلي لمواجهة الكوارث الطبيعية، كما أنها وإن كانت تتوفر على آليات جهوية وإقليمية للاستجابة إلا أنها لا تتأسس على المقاربة القائمة على حقوق الإنسان.
وتبرز الوثيقة التي قدم أوراز بعض خلاصاتها ضمن ندوة اليوم أن “العاملين والمتدخلين يتوفرون على تكوينات عامة لها علاقة بعمليات الإنقاذ والتدخلات التقنية خلال الكوارث الطبيعية؛ لكن ليست راجعة إلى المقاربة القائمة على حقوق الإنسان”، مشيرا إلى التفاوت بين الجهات الأربع في ما يتوفر عليه السكان، سواء كتكوينات أو كفاءات في مجال مواجهة الكوارث الطبيعية”.
في ما يتعلق بمجال التدخل الاستعجالي، لفت أوراز إلى أن تجارب الدول تبين أن الساعات الـ48 الأولى تكون محددة بشكل كبير لإنجاح التدخل الاستعجالي ولتفادي ارتفاع الضحايا وإنقاذ الأشخاص من الكوارث”، مسجلا أن التدخل خلال زلزال الحوز كان بشكل سريع منذ الساعات الأولى على المستوى المحلي فيما بعد على المستوى المركزي؛ لكن كان متفاوتا.
وتطرق المتحدث إلى محتويات الدراسة من حيث تنسيق المساعدة الإنسانية، التي أوضح أنها عرفت إشكالات مرتبطة في تنسيق توزيعها من جهة حسب عدد الجماعات وأيضا حسب عدد المناطق المتضررة، وأيضا إشكالات أخرى مرتبطة بوصولها.
معلومات “طائشة”
عبد الحفيظ المنور، الإعلامي والباحث في الإعلام والتواصل، قارب الموضوع من زاوية طرحت نفسها بقوة بعد الزلزال: الأخبار التضليلية في علاقة الحق بالحصول على المعلومة، مسجلا أن “الأخبار الزائفة التي انتعشت في تلك الفترة ضربت هذا الحق وتلاعبت به، وبالتالي ضربت حق المواطن في التوصل إلى خبر صحيح.
وسجل المنور، في مداخلته، أن هذا يعكس خطورة الأخبار الزائفة وتأثيرها على حقوق الإنسان؛ فهي تقوض الانتخابات والديمقراطية من خلال أفكار وقيم متضاربة ومغلوطة، متطرقا في هذا السياق إلى ما حدث ليلة الزلزال (8 شتنبر)، حين صار الكل متطلعا إلى مصدر المعلومة، وهنا، بدأت المخاطر التي كانت تتربص بالمتلقي.
وبخصوص “المصادر المعروفة”، التي انتظر منها المواطن معلومات كانت هي المصادر الرسمية المؤسساتية، ووسائل الإعلام العمومية والخاصة، وأيضا مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى التواصل التقليدي، كشبكة هاتف والاتصالات بين العائلات، لمعرفة ماذا حدث أثناء اهتزاز الأرض”، وزاد: “الأمر اعترته مجموعة من المشاكل في التغطية”.
وتابع شارحا: مسار المعلومة عرف تعطلا كبيرا، مما خلف حالة من الرعب إزاء هذا المشكل الجديد؛ وبالتالي أصبح الهاتف هو مصدر المعلومة في ظل بقاء الإعلام العمومي والبلاغات الرسمية إلى حين. وأكد في سياق متصل أن الزلزال كان كارثة عقب أزمة كوفيد19، التي رفعت الوعي بخصوص خطر الأخبار الزائفة.
وعاد الباحث إلى تفكيك هذه الأخبار، مشددا على أن “لتوظيفها غايات واستخدامات متعددة، يتقاطع فيها الجانب الربحي وكذلك جانب التأثير على سلوك الآخر لقلب الحقائق، وكذلك قد تصل إلى الإضرار بالنظام العام أو توجيه الرأي العام والتحكم فيه”.
وأوضح: “انطلاقا من معطى مهم وهو أن الطبيعة تخشى الفراغ؛ فحيثما غابت المعلومة فتحضر هاجس توفر المعلومة، وهنا تأتي أو تتربص بهذا الفضاء الأخبار لا أقول زائفة ولكن أخبار مختلفة.
واعتبر أن البيئة المناسبة لانتشار هذا النوع من الأنباء يعود إلى عدم نشر البيانات الرسمية أو المعلومات في حينها على الأقل في موعدها، يعني قبل 24 ساعة كما تفعل مجموعة من الدول. كذلك محدودية الوسائل المادية والبشرية، بالنسبة لوسائل الإعلام وبالنسبة للدولة والمؤسسات، إلخ، كذلك غياب ثقافة التصدي للأخبار الزائفة من خلال التحري والتقاسم الذي يضاعف من أثر الأثر السلبي للمعلومة المخادعة.
تجدر الإشارة إلى أن الندوة عرفت مشاركة هاجر الإدريسي، منسقة مشاريع وباحثة في المعهد المغربي لتحليل السياسات. وقدمت الأستاذة بكلية علوم التربية بالرباط معطيات واردة في دراسة أعدها المعهد المذكور، وسجلت أنها تضمنت أسئلة متصلة بمدى رغبة الساكنة في احترام ثقافتهم المحلية، وأكدت أن جميع المستجوبين أجابوا بضرورة حماية موروثهن الثقافي باعتباره حقا.
المصدر: وكالات