انتصار جديد للدبلوماسية المغربية الواقعية في ملف الصحراء المغربية في قارة أمريكا اللاتينية، ترجَمَه بوضوح اعتماد مجلس الشيوخ الكولومبي، الثلاثاء (28 نونبر)، ملتمَساً جديدا داعماً للوحدة الترابية للمغرب وسيادته على صحرائه، مجدداً رفض «الممثلين الشرعيين للشعب الكولومبي » القاطع للقرار «غير الموفَّق» الذي اتخذته الحكومة الحالية بربط علاقات مع الجبهة الانفصالية الوهمية.
الملتمس المصادق عليه بأغلبية ساحقة بـ65 عضوا في مجلس الشيوخ من أصل الـ105 المشكِّلين للغرفة العليا في الكونغرس الكولومبي ورد فيه: “باعتبارنا أعضاء في مجلس الشيوخ وممثلين شرعيين للشعب الكولومبي فإننا نرفض بشدة هذا القرار غير الموفق للحكومة الحالية، الذي لا يمثل بأي حال من الأحوال موقف الكولومبيين في ما يتعلق بالمغرب، ونؤكد من جديد موقفنا الثابت المتمثل في احترام السيادة والوحدة الترابية للمملكة المغربية”.
الملتمس (طالعت هسبريس نسخة منه) الذي أقرَّه أعضاء مجلس الشيوخ المنتمون إلى 9 أحزاب سياسية في كولومبيا، اثنان منها داخل الائتلاف الحكومي، بدعم خاص من رئيس الكونغرس ومجلس الشيوخ الكولومبي، إيفان ليونيداس (تحالف الخضر)، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ليديو غارسيا تورباي (الحزب الليبرالي)، يبعث “رسالة سياسية قوية” إلى رئيس كولومبيا غوستافو بيترو.
والملتمس الجديد لا يُخفي ملتمسا آخر مماثلا تم اعتماده في أكتوبر 2022، حيث قال الموقعون إنهم يرفضون رفضا قاطعاً إقامة “علاقات دبلوماسية” مع الحركة الانفصالية (البوليساريو) و”الجمهورية الصحراوية” الوهمية، كما يرفضون وجود “سفيرها المزعوم” في كولومبيا.
وسجلت الوثيقة أسَف الموقِّعين “لأن هذه الحكومة أصمت آذانها مرة أخرى، ليس فقط لملتمسنا المؤرخ في 19 أكتوبر 2022، الذي وقعه 63 عضوا في مجلس الشيوخ، يمثلون تسعة أحزاب سياسية، ولكن أيضا لدعواتنا العديدة لاحترام السيادة والوحدة الترابية للمملكة المغربية”.
وذكر الموقعون في هذا السياق بأن كولومبيا تربطها بالمغرب “صداقة تمتد لنصف قرن من الزمن”، وبأن المملكة “حليف إستراتيجي ومفضل لكولومبيا في القارة الإفريقية وفي العالم العربي، نظرا لريادتها الكبيرة والمكانة التي تحظى بها على المستوى الإقليمي والقاري والعالمي”.
أعضاء مجلس الشيوخ أنفسهم تساءلوا مستحضِرين منطق العلاقات الدولية: “كيف يمكن إقامة علاقات دبلوماسية مع الحركة الانفصالية «جبهة البوليساريو»، إذا كانت اتفاقية فيينا لعام 1961 التي تنظم العلاقات الدبلوماسية تنص بوضوح على أن مثل هذه العلاقات تُقام بين دول ذات سيادة معترف بها بهذه الصفة، فيما الحركة الانفصالية، كما نعلم جميعا، لا تتمتع بالحد الأدنى من مقومات الدولة، وغير معترف بها من قبل الغالبية العظمى من الدول، ولا من قبل الأمم المتحدة، وليست لها أي شرعية قانونية، ولا شرعية دولية؟”.
تذكير بمبادئ الدبلوماسية الكولومبية
أعضاء مجلس الشيوخ ذكَّروا بوضوح بـ”المبادئ الأساسية” للدبلوماسية الكولومبية، المتمثلة في “احترام الشرعية الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، واحترام السيادة الترابية لكل دولة”.
تبعاً لذلك، لم يُخف الموقِّعون أسَفهم “لأن هذه المبادئ الأساسية الدبلوماسية قد تم انتهاكها بالكامل من قبل الحكومة الكولومبية الحالية”.
وتمت تلاوة الملتمس، الذي سيُحال نصه على الرئيس غوستافو بيترو، ووزير العلاقات الخارجية ألفارو ليفا، في الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، من قبل السيناتور خيرمان ألسيديس بلانكو ألفاريز، رئيس مجموعة الصداقة الكولومبية المغربية في مجلس الشيوخ ورئيس اللجنة الدستورية، الأهم في الكونغرس الكولومبي.
“موقف مشرّف داعم”
تعليقاً على التطورات، أكد عبد العالي باروكي، أستاذ الدراسات الإسبانية والأمريكية-اللاتينية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “موقف أعضاء مجلس الشيوخ الكولومبي من رغبة الحكومة الكولومبية في عودتها لإقامة العلاقات مع الجمهورية الوهمية يظل مشرِّفا جدّاً، رغم أنه لا يشكل عنصر مفاجأة”.
وشرح باروكي ضمن إفادات تحليلية لجريدة هسبريس أنه “من المعلوم أن العديد من الأعضاء في مجلس الشيوخ يعرفون المغرب جيدا ومُدافعون عن الوحدة الترابية للمملكة؛ لأنهم يفهَمون جيداً موقع ومكانة الرباط في إفريقيا وبين الدول العربية، ويدركون ماهيّة النزاع المفتعل في الصحراء المغربية وخلفياته”، مردفا: “هؤلاء هم أعضاء مجلس الشيوخ الذين شاركوا في آخر لقاء لتحالف الباسيفيك، حيث أشاد ممثل كولومبيا بالمساعي المغربية في تحقيق السلم العالمي، وبتوجهات المغرب التنموية وانفتاحه على العالَم وخاصة أمريكا اللاتينية”.
“إشارات” إلى الداخل والخارج
لفت الأكاديمي المختص في شؤون أمريكا اللاتينية إلى أن “الملتمس إشارةٌ إلى دول أخرى في المحيط اللاتيني بأمريكا الجنوبية، وكذا داخل كولومبيا نفسِها”، معددا أبرز الإشارات في أنه “ليس هناك إجماع داخل الطبقة السياسية الكولومبية على هذا الموقف، وأن هناك في هذا البلد أنصاراً للقضية الوطنية الأولى في المغرب انطلاقاً من مبادئهم السياسية، وكذا من مبادئ اتفاقية فيينا التي تمنع ربط علاقات مع دول غير شرعية”.
وقرأ باروكي في الأمر “إشارة إلى دول أخرى قد تحذُو حذو الرئاسة الكولومبية باسترجاع علاقات مع البوليساريو”، مستحضراً خلفيات الإشارة في وجود “مدّ يساري في مجموعة من الدول تستلهم أفكار زمن الحرب الباردة بالاعتماد على معطيات وأسُس غير صحيحة”.
دلالات ونجاح لدبلوماسية المغرب
محسن منجيد، باحث متخصص في شؤون أمريكا اللاتينية، سار في المنحى ذاته، مؤكدا أن “الملتمس يعكس، من جهة، أن فئة عريضة من السياسيين في كولومبيا يدركون حقيقة قضية الصحراء المغربية، ويدعمون جهود المملكة لإنهاء هذا النزاع الذي عمَّرَ طويلا”.
كما يعكس الملتمس من جهة أخرى، وفق ما صرّح به منجيد لهسبريس، “رفض ممثلي الشعب الكولومبي توجهات الحكومة الكولومبية الحالية التي تتخذ مواقف من هذه القضية بناء على التجاذبات الإيديولوجية وليس على أساس المنطق السليم والحقائق التاريخية والواقعية”.
وحسب الباحث الأكاديمي المختص “ليست هذه هي المرة الأولى التي تنتفض فيها فئة عريضة من ممثلي الشعب الكولومبي والنخب السياسية والمثقفة ضدّ مواقف الحكومة الحالية من قضية الصحراء المغربية”، مذكّرا بأنه “كانت لمؤسسات تشريعية مختلفة في منطقة أمريكا اللاتينية مواقف مماثلة خلال السنوات الأخيرة”.
وتُعتبر هذه المواقف، حسب منجيد، “دليلا إضافيا على توسع دائرة الدعم والتأييد للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية في منطقة أمريكا اللاتينية، وعلى نجاح الدبلوماسية المغربية في محاصرة الأطروحات المعادية للوحدة الترابية للمغرب”.
المصدر: وكالات