الثلاثاء 9 يناير 2024 – 09:30
السنة المقبلة دون تردد، لأن التعليم العمومي تحول إلى “لعب دراري”، وهو قطاع حيوي لا يمكن التغاضي عن عواقبه الوخيمة، مرتبط بمستقبل أجيال، لا تقبل السنة البيضاء ولا الحمراء، وعليها أن تدرك ما حلمت به منذ الدرس الأول في الأقسام الابتدائية، طبيب، مهندس، مدرس، رجل أعمال، عالم فيزياء …والآباء يؤطرون هذه الأحلام ويدعمونها ماديا ومعنويا. ليس هناك حل آخر.
كان المغاربة الميسورون و”المستورون” يفضلون المدرسة العمومية لأسباب مختلفة، منها سمعة بعض المدرسين أو الإداريين المحنكين، ومنها الظروف الجغرافية، ومنها التاريخ المشرق لبعض المؤسسات، مولاي ادريس فاس، مولاي يوسف الرباط، وغيرهما؛ أي إنهم قادرون على تسجيل أبنائهم وبناتهم في أحسن المدارس الخصوصية لكنهم اختاروا ولم يُقهروا.
ومن يذكر التعليم الخصوصي في بداياته يعرف أنه أنشئ للفاشلين المطرودين من المدارس العمومية في مستوى الثانوي خاصة. بدأ ذلك منتصف الثمانينيات، ثم أخذ ينتشر في مستوى التعليم الابتدائي بسرعة كبيرة، لأنه كان يقدم سلعة تربوية راقية بعيدة عما كان يعطى في المدارس العمومية الابتدائية؛ حتى إن وزارة التربية بدأت في إقفال الكثير من المؤسسات الابتدائية، أو تحويلها إلى مرافق إدارية أو اجتماعية.
اليوم، تغير هذا المعطى وأصبحت المدارس الخصوصية، رغم جشعها، تقدم تعليما جيدا، فتختار أحسن الأطر وتجهز مؤسساتها أحسن تجهيز. كما أن المراقبة المستمرة “الكريمة” أسالت الكثير من لعاب الأولياء، فلم تعد شهادة البكالوريا معجزة وتحقق النجاح العام للجميع. إذن تعليم جيد ونجاح مضمون وإعدام تام للتعثر أو الهدر المدرسي لأن الإضراب غير موجود؛ لذلك فهي المؤهلة لعملية إنقاذ واسعة لمستقبل التلاميذ المغاربة.
سيقول قائل إن كلفة المدرسة الخصوصية حاجز أمام هذا الهروب الكبير، لكن من يعرف المغاربة سيدرك أنهم ينقصون من زادهم ولباسهم من أجل فلذات أكبادهم، وأن كل من يتجاوز أجره 5000 درهم سيفر إلى المدرسة الخصوصية دون تفكير، لأن الحرب على الجهل والفشل تشبه كثيرا الحرب ضد الأعداء المتربصين بالوطن.
سيُقهر المغاربة إذن باختيار الصعب من أجل إنقاذ مستقبل أبنائهم وبناتهم، واقتسام ما تبقى من لقمة العيش مع القطاع الخاص، الذي سيستغل هذه الآفة للرفع من شروطه وتوسيع أرباحه، سيرا على حكمة “مصائب قوم عند قوم..”. وبذلك سيضرب آخر قطاع عمومي كان يقدم خدمة مجانية، هذه المجانية التي تحالفت مع الرداءة في القرن الواحد والعشرين، فلا تكاد تحصل على أي شيء مجاني دون أعطاب. ولعل انتشار المدارس الخاصة ومحلات الدعم والساعات الخصوصية والمصحات وغيرها سيكون آخر مسمار في نعش الخدمات العمومية المجانية؛ وهو دليل أيضا على فشل القطب العمومي الاجتماعي، وأن غلاء الأسعار والتضخم ما هو إلا جبل الجليد الذي يخفي مفاجآت مأساوية للمغاربة في المستقبل.
الخارجون عن القانون يستأسدون علينا بفضل الشبكات الاجتماعية التي أصبحت تقرر بدل المؤسسات القانونية المعترف بها، ولا يستبعد أن “تُستنسَقَ” حياة المغاربة خارج القانون في مجالات أخرى أخطر، لا نعلم كيف نواجهها ولا كيف سيكون علو الهاوية التي يهيئها لنا الأنانيون ومنعدمو الضمير، ولا كيف سيكون السقوط.
المصدر: وكالات